الصفحة الأولى من الجريدة تعرض صوراً للمسلحين والمدافع والأسلحة الخفيفة والثقيلة، هناك صور أيضاً للخراب والقتل والدمار، والدماء والأشلاء، بجانبها صور لكل السياسيين من الحكومة والمعارضين والمنفيين، في نفس الوقت تصل إلى مسامعك عبر هذه الصور أصوات الانفجارات والرصاص، والقتل، وحتى آهات الجرحى لكن ما يغيب بين كل هذه الصور هو صورة الطفولة المختطفة، المقتولة، المسروقة، المظلومة، المحرومة، ما يغيب هو وضع الأطفال وتعليمهم في كل بقعة من بقاع اليمن. الصفحة الثانية تحمل أخباراً عن مبادرات التعليم، وكلمات وزير التربية والتعليم يردد أن الجهود تبذل هنا وهناك وتشعر بشيء من السعادة وأنت ترى بصيصاً من الأمل، وترى ضوء الشمعة وتتجاهل الظلام الحالك من حولها، ثم يأتي تقريراً كالذي أصدرته اليونسكو مؤخراً والذي يتابع مبادرة “التعليم للجميع” ليضع الأمور في نصابها، وليصف الحجم الحقيقي لكارثة التعليم في اليمن. ربما تقرأ الخبر في الصفحة الثالثة فربما تدسه الأيدي بين باقي الأخبار في محاولة يائسة لإخفائه، تلتقطه عيناك لتقرأ خبراً موجزاً. “احتلت اليمن المركز العاشر من بين أكبر دول لم يلتحق فيها الأطفال بأي مرحلة من مراحل التعليم” وهذا ما جاء في تقرير اليونسكو الأخير الصادر هذا الأسبوع. لن ترى أو تسمع الخبر مرة أخرى، فالتلفزيون والإعلام والصحف والصحفيون وحتى “المفسبكون” كلهم خبراء سياسيون متخصصون في دراسة وتحليل وقراءة الصراعات السياسية والقبلية والطائفية، كلهم لا يتعاطون إلا السياسة، أما ما عداها فهي بالنسبة لهم أمور ثانوية، هامشية. إن ما يهم بالنسبة لهم هو السلطة والنفوذ، بينما في العالم الآخر والمجتمعات الأخرى توظف السياسة وتدور حول خدمة الإنسان فالسياسة أصلاً وجدت لأجل تحسين الأوضاع ولأجل التعليم والصحة ولذلك فتلك القضايا تكون مركزية وتكون المحك في المعتركات والمناظرات السياسية في عالمهم. أما في اليمن، فالسياسة تدور حول الشيخ والسيد والعسكري، واللص، والخاطف، وقاتل النفس. لكن لندعهم جميعاً يتحدثوا في السياسة والقتل وتشريع القتل ولندعهم يطلقوا العنان لكلماتهم وجملهم في كل مكان وهم يُنَظرون لمستقبل افتراضي لا يوجد إلا في خيالهم وهم يرسمون صوراً وردية لهيمنة الحزب أو الطائفة، أو هذا الزعيم أو ذاك الشيخ أو هذا الإرهابي أو ذاك دون أن يذكروا كيف سيكون حال الإنسان. لقد كانت ثروة اليمن عبر التاريخ هي الإنسان، فهو الذي زرع الجبال وهو الذي هاجر وتاجر وبنى وأسس كل تلك الحضارات وأثر وتأثر بالآخرين، لكن سياسة اليمن، وسياسة قادتها ومشائخها تعكس تجاهلاً واضحاً لذلك التاريخ. الكل يحدق في الجبال والصحارى ويبحث عن ذهبها وبترولها وغازها، ونسوا وتناسوا أغلى ثروتها وهو الإنسان. ماذا يعني أن تكون اليمن عاشر أكبر الدول التي لم يلتحق فيها الأطفال بأي مرحلة من مراحل التعليم؟ أي مستقبل ينتظر هؤلاء؟ أهؤلاء، جند الحوثي؟ جند القاعدة؟ أو عسكر المشائخ؟ هل يكونون من أصحاب الخبطات؟ أم من أهل الخطف والسرقات؟ ربما لا يكونون كذلك، لكن مما لاشك فيه أن فرص الحياة في يمن أفضل هي أقل بكثير بالنسبة لهم، وفرص الحياة الكريمة لهم تصبح ضئيلة جداً وربما مستحيلة. ماذا يعني أن 36 % من الفتيات في اليمن حصلن على قدر من التعليم الأساسي؟ يُقدر التقرير، أن اليمن إذا استمر على هذا الوضع، فقد تحتاج دول نامية مثل اليمن إلى 58 عاماً لتحصل الفتيات على تعليم أساسي كامل وللتأكيد نحن هنا نتحدث عن تعليم أساسي فقط وليس الجامعي. إذاً لدى اليمن نسبة كبيرة من الأطفال غير ملتحقين بالتعليم بتاتاً، ثم هنالك الطلاب الملتحقون بمدارس من أربعة جدران، الكثير منها خاصة تلك التي تقع خارج المدن لا يمكن اعتبارها مدارس مؤهلة لازدحامها الشديد، وافتقارها لأبسط مقومات البناء المدرسي، ثم وذلك الأهم افتقار تلك المدارس والطلاب للكفاءات من المدرسين والمشرفين والمناهج التي تؤهلهم لمنافسة الغير. بأي مستقبل يبشر كل ذلك؟؟؟ في اليوم التالي، يكون كل ذلك مجرد خلفية تقف أمامها وهي وراءك، وتفتح صحيفة لترى أخبار القتل والدماء والدمار وفي بحثك عن أخبار البناء والإعمار والأمل ستلمح خبراً عن افتتاح مدرسة جديدة وتقرأ كلمات جديدة من سعادة وزير التربية والتعليم ستشعر عندها بشيء من الأمل ثم تتذكر سريعاً أن اليمن واعتماداً على ما ذكره وزير التخطيط الدولي السابق عبدالكريم الأرحبي يحتاج إلى 40 ألف مدرسة. تدرك حينها أن التعليم في اليمن ليس مشكلة، بل كارثة لا يكفي أن يواجهها وزير لوحده مهما كانت قدراته، ومهما كانت جهوده.