ينفتح العام الثالث لما يسمّى «الربيع العربي» على حصاد فادح في الخسارة الكاملة لأقطار هذا الربيع، حين يتجسّد في الواقع هول ما آل إليه التفكيك الممنهج للدولة القطرية, وغياب أي تفكيك للاستبداد ومنظومته المعنوية والمادية. لم يتبقّ في واقع ما يسمّى «الربيع العربي» غير الوقائع الدالة على قدرة الشعوب العربية على الانتفاض الجماهيري وفرض إرادة التغيير, ومع هذه الوقائع يتحدّث الواقع عن أن القدرة الشعبية على الفعل الانتفاضي في وجه سلطة الحكم القمعي الفاسد, مغلوبة على أمرها في مجال السيطرة على الواقع والتحكُّم في مسار حركته باتجاه المستقبل من ناحية غياب البديل المنشود والعجز عن إبداعه في اللحظة التاريخية السانحة. وخلال ثلاثة أعوام كاملة؛ لم يظهر إلى الوجود مشرع البديل الديمقراطي للاستبداد الحاكم والجاثم, بل لم تظهر بوادر الإشارة إليه في فكر أو حركة, بل إن التقدُّم الفكري في هذا الاتجاه والذي كان سابقاً للربيع تراجع لصالح تطرُّف سلفي وعنف جهادي وهيمنة أطلسية وتفكيك بُنيوي للدولة القُطرية. والمسألة هنا ليست استخفافاً بحراك شعبي غير مسبوق وفعل انتفاضي كسر كل الجمود المهيمن على المجال السياسي نظرياً وعملياً, وإنما هو قراءة للمسارات ومآلاتها خلال فترة تزيد كثيراً عمّا يكفي لميلاد واقع مبشّر بالتجدُّد والتغيير ومثير للتفاؤل بإمكانية تفكيك واقع التخلُّف والاستبداد, والتوجُّه نحو تركيب واقع التقدُّم والرشاد. تبدأ الانتكاسة الكبرى لهذا الربيع من طغيان الغضب الانفعالي على الفعل الانتفاضي، وغياب الرشد المتعقّل عن الحراك الجماهيري، والارتهان المبكّر إلى القوى الأطلسية التي تدخّلت بقوة غير منظورة في تونس ومصر, وبقوة عسكرية في ليبيا, ثم في سوريا, لتفجّر في مسار الانتفاضات الجماهيرية قنابل التفتيت الطائفي والجهوي, مبقية على وضع التسلُّط والهيمنة الأطلسية على القرار والسياسات. ولسنا نجادل هنا في إيجابيات غير منكورة في واقع الربيع العربي؛ لكننا نثير التساؤل عن غياب البديل الديمقراطي فكرة وحركة في ظل بقاء ونماء منظومة الاستبداد والفساد في الحكم وخارجه, بصورة لا تخفى على ذي بصيرة متسلّح بالعلم والوعي والواقعية المتحرّرة من أهواء السياسة وأوهام الساسة. [email protected]