رغم ان مفردة «تغيير» تتضمن في دلالاتها اللفظية والاصطلاحية معنى التغاير بين أمرين , وإبدال احدهما بغيره , فإن ثورات الربيع العربي اريد لها ان اقف عند وجه واحد من معاني «التغيير» محددة حصراً بالرديف الذي نافس شعار « الشعب يريد تغيير النظام » وطغى احياناً عليه وتمثل ب « الشعب يريد اسقاط النظام ». فتغيير نظام ما يعني إحلال نظام مرغوب مكان نظام مرفوض , لكن اسقاط نظام ما , يعني الوقوف عند سقوطه دون شمول يمتد الى البديل , وما حدث في الربيع العربي , وما جاء بعده , يشير الى وجه من الصدق النسبي في قولنا ان هذا الربيع اريد له من قبل قوى في داخل اقطاره وخارجها ان يكتفي بإسقاط شخوص ورموز أنظمة الحكم دون تغيير هذه النظم بالأفضل من البدائل والأمثل من الطرق والوسائل .كانت مصر أنموذجاً كاشفاً لهذا التضليل السياسي الممنهج اعلامياً , بهدف الحيلولة دون المساس بنظام كامب ديفيد والحفاظ عليه من تغيير يهدم هذا النظام ويقيم بديلاً يخرج مصر من أسر التبعية والارتهان للاستراتيجيات الغربية ومصالحها الحيوية في أمن الكيان الصهيوني والسيطرة على البترول , فسعت واشنطن ممثلة لهذا الغرب الى توفير الضمانات اللازمة لبقاء نظام كامب ديفيد بعد اسقاط رئيسه ورموزه في سلطة الحكم , وهذا ما تحقق مع جماعة الاخوان المسلمين التي أرادت بالمحافظة على نظام الكامب , لإقامة سلطانها في مصر وبناء حكمها على المصريين فاستحثت الشعب مرة اخرى لثورة يبدو انها محصورة باسقاط النظام الحاكم يوم 30 يونيو 2013م ودون تغيير نظام الكامب. يبدو الواقع المتحرك بالربيع العربي وبعده , محكوماً بإسقاط نظم الاستبداد ومحدوداً بشخوص الحكم , هذا الواقع يفرض التحول فوراً من مطلب اسقاط الحكام الى مطلب بناء النظم المنشودة لإقامة الرشد السياسي في النظم والسلطات , وذلك ان الواقع وكما شاهدناه في الوقائع ومآلات حركتها أظهر أن الازمة الاشد فتكاً ليست في عملية إسقاط النظم والحكام , بل في بناء البديل الامثل لها في الواقع وبين الناس خصوصاً وقد انحصر ما نريده في الاشخاص , وتحول بعد انهيار القديم الى صراع حدي انقسمت به المجتمعات الى فريقين : احدهما لا يريد الآخر , فمقابل الذي يريد الاخوان هناك من لا يريدهم وهي أزمة قد تؤول الى هلاك ودمار . (نريد بناء نظام الرشد السياسي )قد يكون مطلباً ملحاً الآن لتجنب مخاطر الاقتتال الاهلي والتدمير الذاتي , والخروج من ظلماتهما الى نور من الرشد يضيء لنا طريق العبور الى نظام لكل القوى جميعاً وما يجري في اليمن يؤيد صدق قولنا هذا فالعقبة الرئيسة الآن أمام مؤتمر الحوار هي مشروع بناء الدولة وهو المشروع الذي لا يرغب به أحد ولا يريده أحد ويهربون منه إلى معارك جانبية . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك