بمرجعية خطابها التاريخي المستند إلى الإسلام كمرجعية حاكمة لمشروعها السياسي ، كان متوقعاً من جماعة الإخوان في الأقطار التي وجدت بها فرصة لتولي سلطة الحكم أن تتبنى سياسة ملتزمة بالقطيعة التامة مع الكيان الصهيوني متمسكة برفض الاعتراف بشرعية اغتصابه لفسلطين وما ترتب عليه من تشريد واستيطان ، لكن هذه الجماعة، قبلت بالواقع متمسكة بنهج الاعتراف والاستسلام الذي ورثته من عهد السادات وخلفه المخلوع حسني مبارك، وللجماعة في هذا وعنه تفسير وتبرير. كان تفسير الجماعة للتمسك بنهج كامب ديفيد وميراثه ، يعود إلى الضرورات التي تبيح المحظورات ، وهي ضرورات واقعية ، فرضها الواقع القائم بتخيير الجماعة بين التمسك بمبدأ رفض الاعتراف والاستسلام ، وحرمانها من ولاية سلطة الحكم ، وبين قبول كامب ديفيد والفوز بسلطة الحكم ، وعند تسليمنا جدلاً بهذا المنطق، يتبين لنا أن الذي فرض عليها هذا الاختيار ليس شعب مصر ، بل الإدارة الأمريكية وحلفاؤها والعرب العاملون في خدمتها، وهذا يضعنا أمام تحدي البحث عن جواب التساؤل الآتي: هل كانت جماعة الإخوان ستحصل على الأكثرية الشعبية في صناديق الاقتراع إن هي تمسكت بوضوح في برنامجها الانتخابي برفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ، وإحالة كامب ديفيد وإرثها إلى الاستفتاء الشعبي؟ من المسلم به بداهةً أن الشعب العربي أو غالبيته الساحقة ترفض نهج الاستسلام والاعتراف بالكيان الصهيوني ، لكنها لن تعبر عن هذا في صناديق الاقتراع تحت تأثير تيار الكامب، وقوته الدعائية المسنودة بالقدرات الهائلة مالياً وإعلامياً لمعسكر الاعتدال العربي وحلف الأطلسي، لذلك لن تحصل الجماعة على أغلبية أصوات الناخبين، لكنها ستحصل على نسبة معتبرة من هذه الأصوات تجعلها القوة المعارضة الكبرى لسطلة الحكم من جهة، ولكامب ديفيد وإرثها من جهة أخرى، غير أن الجماعة لم تقبل بهذا، وقبلت لنفسها الانخراط في نهج كامب ديفيد وإبقاء مصر في معسكر الاعتدال العربي وتبعيته المهينة للقوى الغربية بقيادة الأطلسي والولايات المتحدةالأمريكية مقابل توليها سلطة الحكم . قد نسلم جدلاً، أن جماعة الإخوان تعمل بقاعدة “ الحرب خدعة” بقبولها كامب ديفيد مرحلياً وبحكم الضرورة، لتتمكن من موقعها في سلطة الحكم من بناء القدرة الذاتية اللازمة لتأمين مصر من مخاطر ردود الفعل المترتبة على إسقاط كامب ديفيد والعمل على إعادة مصر إلى موقعها الحيوي في معركة تحرير فلسطين، ولكن هل ستتمكن من هذا فعلاً؟ هذا سؤال أجزم أن الجماعة لم تضعه في حسابات موقفها الراهن من كامب ديفيد، لذلك قررت الانخراط في تيار الكامب من رؤية بنيت على جهل او تجاهل بحرص الحلف الصهيوني على ابقاء مصر تحت السيطرة التامة، وتكبيل قدرتها الحركية على الاستقلال بالسياسة والقرار، بالقيود المعهودة في مصر، اقتصادياً وعسكرياً، فإذا كانت الهيمنة الامريكية على مصر قوية الى الدرجة التي تمكنها من حرمان الجماعة من اغلبية اصوات الناخبين في صناديق الاقتراع، فإن هذه القوة ستحرم الاخوان من النجاح في محاولاتها تفكيك قيود الهيمنة والاخضاع وبهذا ستبقى مصر السادات مبارك هي ذاتها مصر الاخوان. من موقعها في السلطة، ستكون جماعة الاخوان ضعيفة بحكم مسئوليتاتها عن حاجات الشعب ومصالحه، لذلك ستقبل شروط الاسناد الغربي لسلطتها، وتقديم كافة الضمانات التي يطلبها الحلف الصهيوني من الجماعة لابقاء مصر في معسكر الاعتدال العربي ونهج كامب ديفيد، ولأن عدوانية الكيان الصهيوني ذات طبيعة توسعية ومخاطر امنية، فإن نهج كامب ديفيد سيضع الاخوان في ذات الموقع والدور الذي وضع فيه كل من السادات ومبارك وبذات المآلات التي صارا إليها، عندها ستلد مصر حركتها الوطنية المتحررة من نهج الاستسلام والتبعية. وبعيدأ عن فلسطين، فإن الأخوان مطالبون بما هو أشمل وأوسع من دائرة الوحدة القومية للأمة العربية، أي قيام الوحدة الإسلامية، التي ستبدأ من العرب وتشملهم، خصوصاً، وأن جوار مصر محكوم بالتيار الديني من الخرطوم مروراً بطرابلس وحتى تونس، غير أن التوجه الوحدوي محكوم باستراتيجية التجزئة الغربية، سواءً انطلق من أساس قومي أو من أساس ديني للإسلام، والتوحيد ضرورة عربية ومصلحة قطرية، تفرضها شروط التنمية ومتطلبات تحقيقها، إن لم نقل تفرضها عقيدة الإسلام وقيم الدين، فالوحدة معركة أخرى ضد قوى التجزئة الغربية، وحين يرتهن الإخوان للإسناد الغربي، فإنهم يتخلون طوعاً أو كرهاً عن الوحدة بعد التحرير. تزداد تعقيدات مأزق ارتهان التيار الديني للإسناد الغربي في الواقع وأمكاناته المتاحة والمحتملة، وخاصة ما يتصل من هذا الواقع بالبعد التنموي أولاً، وبقضايا الحرية والحقوق ثانياً، والمعطيات الراهنة في مصر، تشير إلى هذا بوضوح يتعامى عن رؤيته الإخوان، ويتجنب معارضوهم إدراكه ببصيرة، ليقف الجميع على شفا جرف الارتهان للقوى الغربية وأطماعها الاستعمارية، وإن غداً لناظره أقرب للظهور من حسابات الجهل والظنون. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك