أمريكا في عهد أوباما أصبحت لا تحظى باحترام أحد، فلا حلفاؤها يثقون بها ولا أعداؤها يصدقونها.. ومع هذا لا تتردد الإدارة الأمريكية في إطلاق الوعود والتصريحات والتهديدات والمواقف التي يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءها لم يجدها شيئا , نقول هذا بمناسبة تصريحات الإدارة الأمريكية الأخيرة حول ضرورة التغيير في مصر الآن وليس في سبتمبر.. وأن "الآن" عند الإدارة الأمريكية تعني الآن ولا شيء غير الآن. والواقع أن "الآن" عند أوباما على وجه التحديد لا تعني الآن ولا تعني بعد عام ولا تعني حتى شيئاً معلوماً أبعد من ذلك.. ولعله قد افتتح وعوده الكاذبة بمعتقل جونتانامو الذي وعد بإغلاقه خلال عام واحد، ثم لم يستطع أن يقنع إدارته بإتمامه. ووعد بحل عاجل لقضية فلسطين على أساس حل دولتين.. ولم يستطع أن يخطو في المسار خطوة واحدة تعطي للفلسطينيين بعض أمل بقرب حل مهما كان هذا الحل.. ولكنه نجح حقيقة في إيجاد حل الدولتين في السودان ببساطة متناهية!!. * * * لم يستطع اوباما أن يوقف الاستيطان ولو بشكل مؤقت وتلقى صفعة في الوجه من نتنياهو، الذي رفض كل مطالبه بإيقافه بل أكرهه على أن يصرح على لسان ناطقه الرسمي أنه لن يضغط على الكيان الصهيوني بذلك.. إذن.. فهذه أمثلة على حالة تردي الإدارة الأمريكية في وعودها التي لم يعد لها وزن فيما تقول.. على مستوى حلفائها قبل غيرهم.. أمريكا في مصر يبدو أنها ضمنت بقاء نظام موال لها، وأرادت الإسراع بالتخلص من رمز يطلب المتظاهرون رحيله.. ولأن لديها طابوراً طويلاً من البدائل الذين يمكن أن يحفظوا لها بقاء الولاء لها ولربيبتها إسرائيل، ممن لمعت أسماؤهم في الاحتجاجات مثل البرادعي.. فهي تستعجل رحيل مبارك حتى دون أن تقدم له ملاذا يأوي إليه.. مما جعله يرفض هذه الاملاءات.. * * * يتساءل الإنسان ماذا لدى المحتجين حول ما بعد مبارك؟!.. وماذا يريدون من الوضع القادم؟!.. وهل اتفاقية كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل ودعم قطاع غزة في مواجهة الحصار الإسرائيلي المصري الرسمي الظالم تمثل أولويات بالنسبة لهم، بحيث يلزمون القادم بها؟!.. فالواضح أن الجميع لا يتحدث عن هذا الجانب، ومن المحقق أنهم لو تحدثوا عن هذا الآن لقلبوا الموازين رأساً على عقب، ولما سمعنا الإدارة الأمريكية المنافقة ولا الاتحاد الأوربي الأكثر نفاقا يطلبان التغيير الفوري والعاجل.. فلقد اطمأنت أمريكا على بقاء النظام اطمئنانا شبه كامل، وإن لم يكن الوضع لدى الدولة الصهيونية بنفس الاطمئنان. ومن المحقق أن المحتجين لو طلبوا وطالبوا النظام بالقطيعة الفورية مع إسرائيل والعودة الى صف المواجهة العربية ضد هذا الكيان الصهيوني البغيض، بدلاً من المطالبة برحيل مبارك من الحكم – والذي سيرحل عنه عاجلاً أم آجلاً - لانقلبت الموازين، ولانقلب موقف الإدارة الأمريكية رأسا على عقب، ولأصبح الملايين المحتجون على نظام مبارك في ساعة واحدة إرهابيين في نظر أمريكا والاتحاد الأوربي والغرب كله قبل إسرائيل!!.. فلماذا لم يقل المتظاهرون ذلك؟!.. هل هي حكمة حاضرة؟!.. وما هي بدائلهم؟!.. وهل يعتقدون أن البرادعي وعمر سليمان وأيمن نور وغيرهم من المتربصين بانتظار الانقضاض على الحكم، يمكن ان يغيروا شيئا في هذا الجانب لصالح خيارات الأمة والشعب المصري الغيور؟!!. ولماذا لم يبادر الإخوان المسلمين بطرح هذه القضية على المتظاهرين قبل أن يخفت أو ينتهي هذا الهيجان وهذه الثورة في وجه النظام ورمزه الأعظم مبارك؟!.. ولماذا اكتفوا بطلب الرحيل من مبارك وليس لديهم أدنى مواصفات البديل؟!.. وهل يعلمون أنهم مستبعدون من أي تغييرات أمريكية قادمة أيا كان البديل القادم بناء على هذه المواصفات المطروحة؟!.. وأن هذه رغبة مشتركة لدى كل الداعمين للثورة الشبابية حتى الآن أم أن لديهم وعودا خاصة وخفية بالمشاركة، خصوصا مع ما تسرب عن مبعوث الإدارة الأمريكية المفاوض في القاهرة وأنهم هدف أساسي لمجيئه؟.. سنرى ما تأتي به الأيام..