الأشياء تعبّر عن نفسها كمثال الزهور, تعبير عن الجمال, غير أنه سرعان ما يتم قتل ذلك المعنى بمجرد تظاهر الشخص للحظات بعقد فل وياسمين ليذبل الأخير ويتيبس خارج الصورة الفوتوغرافية لحياتنا في إطارها وبروازها؛ إذ يتم الاحتفاظ بها كذكرى التقاط صورة فحسب بما تضيفه من رائحة ودلالة لحظتها ومناسبتها تلك كرغبة في «الشميم» وتأنق الرائحة بمودة وصداقة ومصافحة. الزهور هنا دون شك تختلف عن التباس المعنى في حال كلمات الأغاني؛ فقد غدا العنف والقتل والخشونة والاحتراب في كلمات الأغنية اليمنية بخاصة جزءاً كبيراً منها ومن طبيعتها في الثقافة وبألوان عدّة في بيئات مختلفة, وفي واقع كهذا كثيراً ما يحتاج إلى جهد بحثي لمقاربة الظاهرة باستقصاء أبعادها وملامحها في سوسيولوجيا الثقافة في المجتمع، وقد كنت شرعت لوضع خطة عمل لكتاب حول ذلك تستدعي نزولاً ميدانياً لأماكن ومحافظات ومناطق عدة في اليمن, وبالتالي فقد اقترحت أن يكون بحثي وخلاصته التي قد تستغرق عامين تحت عنوان «البعد الجنائي في الأغنية اليمنية». لايزال رنين وضجيج الصوارم والطعان وروائح الدم ونفاذ الرماح والسيوف في الأكباد والقلوب وظفر الآساد والنمور بفرائسها وصور اصطدام الحروب والحراب السامة في الشِعر العربي أشياء وصوراً لايزال صداها وروائحها وتأثيراتها فعلاً يسمّم ذائقتنا وحياتنا وتفكيرنا بأغراض الفخر والحماسة والجهوزية القتالية حتى اللحظة. ثمة في موروث الأغنية والشعر العربي ملامح من ثقافة كرّست القتل ولو بالمعنى الرمزي في استخدامات اللغة وبلاغة المنطوق والوصف الذي اعتبرفنا كما شرعه النقد الأدبي وفقهاؤه ونظرياته في مقاربة تصوير العبارة أو الصورة, ففي تراثنا العربي مثلاً وحتى في «الغزل» كغرض من أغراض الشعر قديماً اعتاد الناس من العرب بخاصة عند الذهاب إلى أجمل ما قيل في الغزل ألا يتجاوزون بيت شاعر النقائض جرير القائل: «إن العيون التي في طرفها حورٌ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا» ....إلخ. [email protected]