ما قبل 11 فبراير كان الشعب تابعاً ذليلاً محبطاً خلف نظام بلا إحساس سوى شغفه بتنمية مصالح القائمين عليه، استمر لعقود من الزمن مهترئاً غشوماً حتى صار بلا آفاق وطنية، بحيث استمر يبدع في نشر البؤس كهوية في الشمال والجنوب فقط.. وحدها رجّة 11 فبراير من أعادت الشعب إلى الريادة، وما قبل 11 فبراير بأعوام قليلة على سبيل المثال كان الرائي النبيل فيصل بن شملان قد قال ذات لقاء صحفي في عز رداءة الأحوال وتفاقم المظالم: “إنني متشائم جداً، يُقلقني الوضع الاقتصادي للبلد، وأرى أنه سيكون عامل انفجار لا يمكن السيطرة عليه، لم يستفد النظام من الفترة 1995 - 2004م، كل الفرص بُدِّدت: النفط، المنح، القروض، وطاقته الآن على مواجهة الاضطرابات محدودة جداً، لأن موارده ضئيلة، هذه مسألة مقلقة، ومن شأنها أن تسرّع في ظهور خيار تفكيكي لا أحد يستطيع السيطرة عليه...”!. غير أن الثورة هي لحظة إصلاح الروح من خللها الفظيع، تحديداً قمة امتزاج الوعي الفردي بالوعي الجمعي في اتجاه التغيير، وبينما يعزّز فعل الثورة من كينونتنا كما ينبغي، فإن صوت العقل ممزوج بصوت العاطفة، فضلاً عن أن جوهر الشعب لا يمكن أن يستسيغ الاستبداد حتى وإن قُسر عليه. بالتأكيد لايزال السؤال قائماً: هل سيحقّق اليمنيون الثائرون حلمهم بالدولة المدنية، دولة العدالة والكرامة والمساواة لا دولة مراكز القوى التقليدية، دولة اليمن الحديث، لا دولة الفساد والهمجية والعنجهية واللا محاسبة واللا دولة. لقد جرى تطويق الثورة للأسف، الثورة التي تنطوي على إرادة الشعب بالحياة الكريمة؛ وأما بحسب برهان غليون فإن المرحلة الثورية العربية تثبت بجدارة تجدّد عهود الوطنية التي اندثرت تحت حكم الأجهزة الأمنية والاستخدام الموسّع للعنف وفساد النُخب الحاكمة، وفي ما وراء ذلك وعبر الارتباط به يكمن إعادة استملاك الشعوب لأوطانها التي انتزعت منها وأصبحت مرتعاً لحكام حوّلوها إلى إقطاعات خاصة. لذلك لابد من تلبية مطامح الثورة، لأن الذي جرى ويجري في اليمن ليس مجرد أزمة بين المشترك وصالح، وإنما أزمة حكم بنيوية مستفحلة بالمفاسد والشنائع، فلا ينبغي تعبئة الشعب ضد بعضه البعض، وإنما تطوير عقل إدارة الحكم، وعدم جعل الفساد كما لو أنه تربية وطنية، ثم يكفي الثورة أنها أعادت صياغة روح المواطنة على نحو سليم بالرغم من كل ما انطوت عليه شناعة الورقة المناطقية البغيضة التي حاول النظام استخدامها مع اندلاعة 11 فبراير 2011م. إن الثورة كما علمنا 11 فبراير هي لحظة الإفاقة العارمة، ردة الفعل الخلاقة المتجدّدة ضد الاستلاب الطاغي والمهيمن على جميع المستويات، تلك اللحظة الفارقة التي سنتجشم بكل اعتزاز قيمي حملها إلى المستقبل..!!. [email protected]