• مئات الملايين تُصرف للتداوي في الخارج من قبل المرضى اليمنيين الذين صاروا أشهر من نار على علم في عديد الدول العربية والأجنبية، ففي مصر مثلاً يُطلق على طائرة «اليمنية» “طائرة العيانين” لأنها دائماً ما تحمل أفواجاً من اليمنيين الذين يبحثون عن الصحة والعافية التي يفتقدونها في البلاد؛ حيث لا بيئة نظيفة ولا خدمات علاجية وتطبيبية جيدة..!!. • “اليمن تتكبّد سنوياً 900 مليون دولار نفقات العلاج في الخارج” ذلك ما ورد على لسان وزير الصحة العامة في نوفمبر 2012م، وطبعاً هذا المبلغ يتضمّن نفقات العلاج الشخصية التي يدفعها الأشخاص أنفسهم أو المنح العلاجية المقدّمة من الدولة التي غالباً ما يُحرم المواطن البسيط المُعدم من الحصول عليها تحت مبرّر إجراءات التقشف، أما المسؤولون والنافذون فإن الطريق مفتوح أمامهم للتداوي في الخارج هم وأسرهم وأقاربهم، ولا تقف هكذا إجراءات أو غيرها عقبة في طريقهم. • انتشار الأمراض وتزايد عدد المرضى في بلادنا أمر منطقي جداً في ظل انتشار العوامل والأسباب التي تؤدّي إلى الإصابة بالأمراض ومنها التلوّث البيئي الواسع الذي تعانيه البلاد بشكل عام، وهو تلوّث يطال كل شيء "الهواء والماء والأرض والغذاء وكل الاحتياجات الضرورية للعيش"، ولا نبالغ إذا قلنا إن بلادنا تُعد واحدة من أكثر البيئات في العالم تلوّثاً، كما أن تدهور الخدمات الطبية زاد من تفاقم هذه الأمراض وزيادة حدّتها وفتكها بالناس خاصة البسطاء منهم الذين لا يجدون ما يخفّف آلامهم في المرافق الطبية الحكومية ولا يقدرون على تكاليف المرافق الطبية الخاصة أو السفر إلى الخارج للتداوي. • منذ سنوات عديدة نسمع عن وجود استراتيجية لتطوير القطاع الصحي؛ ولكن هذا القطاع لم يشهد أي تطوّر، ليس ذلك فقط؛ بل إنه لم يحافظ على مستواه السابق الذي كان أفضل بكثير مما هو عليه الآن، حيث كان يقدّم خدمات طبية جيدة انحسرت بفضلها الكثير من الأمراض والأوبئة، بينما الآن نلاحظ عودة وانتشار الكثير من الأمراض التي عفى عليها الزمن وتخلّص العالم منها منذ عشرات السنين ولم يعودوا يعرفونها، فيما نحن عاجزون عن القضاء عليها، وهو ما يؤكد الوضع المزري للقطاع الصحي الذي أصبحت خدماته أكثر سوءاً ورداءةً وغير قادر على تقديم الرعاية الطبية والخدمات العلاجية ولو في أبسط وأدنى مستوياتها. • واقع الحال يؤكد أن المرافق الطبية والصحية الحكومية لم تعد أماكن للتطبيب والعلاج كما هو منوط بها، ولم تعد تقدّم أبسط الخدمات المطلوبة منها، ومن يرتادون هذه المرافق غالبيتهم من الفئات الفقيرة الذين يضطرّون إلى الذهاب إليها لعلّ وعسى يحصلون على علاج يخفّف عنهم آلام المرض، ولكن «عشم إبليس في الجنة» فلا شيء من ذلك يحصل، فقط بعض «المشاوير» وساعات الانتظار الطويلة، هذا إذا لم يخرج الواحد منهم بعاهة مستديمة أو ناقص عضو تم بتره بسبب تشخيص خاطئ، وهو أمرٌ شائع الحدوث في ظل غياب الرقابة والضمير الإنساني عن أغلب المشتغلين في القطاع الصحي..!!. • المرافق الطبية الخاصة التي يُفترض أن الهدف من إنشائها هو تخفيف الضغط على المرافق الطبية الحكومية ومساعدتها في تحسين الخدمات الصحية؛ إلا أنها تتشابه كثيراً مع نظيراتها الحكومية، حيث ذات الأوضاع المُزرية، ولا تختلف عنها إلا في نظافتها وأسرّتها الأثيرة وتكاليف العلاج الباهظة، فهي استثمارية ربحية بحتة لا علاقة لها بالتطبيب والعلاج؛ لأن أمرها في يد أناسٍ توحَّشوا وأصابهم الجشع وأصبحوا جزءاً من المستغلّين، ويا ليت أنها تقدّم خدمات توازي نصف أو ربع ما تأخذه من تكاليف ورسوم باهظة مقابل خدماتها العلاجية الوهمية. • وهناك الكثير من القصص عن أناسٍ قضوا نحبهم في بعض المستشفيات الخاصة وتم احتجاز جثثهم ومنع أهلهم من دفنهم على ذمة تكاليف العلاج التي تصل أحياناً إلى ملايين الريالات، فتكون خسارة الأسرة مزدوجة، خسارة رب الأسرة وأيضاً الديون التي لاتزال عليها للمستشفى فتضطر بعض الأسر إلى بيع كل ما تمتلكه أو الاقتراض من أجل إكرام ميّتهم بدفنه. • المرافق الصحية الحكومية والخاصة على حد سواء أصبحت سيئة السمعة إلى درجة انعدمت معها ثقة المواطن فيها تماماً وبما تقدّمه من خدمات، وهو ما يدفع الكثيرين للسفر إلى الخارج بحثاً عن العلاج، ولو أن الدولة عملت على النهوض بالقطاع الصحي وتجويد خدماته، فبالتأكيد ستستفيد البلاد من هذه الملايين التي تذهب إلى خارج الحدود، وأيضاً سيحصل المواطنون على خدمات طبية جيدة تغنيهم عن تحمُّل مشقات السفر ونفقاته الباهظة. [email protected]