«60» وفي سبتمبر 1962م عقب نجاح انقلاب عكفة الأئمة «الزيود» على أئمتهم خبا نجم الدولة الهمجية الأولى في القرن العشرين، وصعد نجمها أو نجم الدولة الثانية بحلّتها الجمهورية والمنطوية على ديماغوجية عصرية مغلّفة ببعض الشعارات الجوفاء ومجهّزة بأدوات قمع خطيرة أهمها تلك التي تشكّلت تحت الإدارة العسكرية المصرية. إن انهيار الدولة “تجاوزاً للمعنى والمبنى” السلطة الملكية القبلية الهمجية يعود إلى تصدُّع العلاقات السياسية بين شرائح طبقتها الحاكمة الفاشية والتهاب الصراع السياسي فيما بينها من أجل النفوذ والانفراد والاستحواذ، ويعود إلى صعود الصراع السياسي إلى سقفه الأعلى بين مجموع شرائح هذه الطبقة المتآكلة منذ الأربعينيات وبين المجموعة العسكرية القيادية المدعومة من النظام العسكري المصري والطامعة في السيطرة على السلطة والنفوذ والاستحواذ، ويعود إلى رفض هذه الطبقة التكيُّف مع معطيات العصر واتجاهاته المستقبلية، ورفضها تبنّي إطارات وأوعية الدولة “ولو شكلياً” الأولية التي ابتكرتها الطبقة البرجوازية في أوروبا وعمّمتها وحاولت تصديرها إلى جميع البلدان الهمجية تدرجاً وبمستويات مختلفة، حيث اكتفت هذه الطبقة البيئية بتكوين قوات ذات ثقافة عصبوية ومبرمجة وموجّهة ضد منطقة الرعية “الزراعيين الريفيين” لجمع الجبايات والإتاوات وكافة الرسوم الإكراهية المركّبة، وقمع من يمانع أو يحاول مقاومة الظلم والمظالم المتراكمة وانتهاك كرامة الناس. وامتنعت هذه السلطة من التماهي مع الشرعية الدولية جملة وتفصيلاً رغماً عن عضويتها في الجامعة العربية ومنظمة الأممالمتحدة منذ وقت مبكّر من إنشائهما في سنة 1945م وتقوقعت داخل دائرة الأعراف والتقاليد المكيّفة لمصلحة سكان المنطقة القبلية خاصة لمصلحة أولئك الذين شاركوا في الغزو والاحتلال وتغيير التركيب السكاني في “تعز، وإب”. وليس هذا فحسب؛ بل اتسمت هذه السلطة الهمجية بالانغلاق السياسي الحاد، ولم تسمح لرياح التغيير ولفترة طويلة من الهبوب بشكل طبيعي إلى متن العلاقات الطبيعية للمجتمعات التي غادر جل شبابها من الذكور إلى عدن وبلدان المهجر. وتركت الدولة الهمجية الملكية الأولى تركتها التي ورثتها من سلطة المتوكل اسماعيل الرهيب، ومن سلطة الإدارة العثمانية وبصماتها على المسار الجوهري للدولة الهمجية الثانية “الجمهورية” من ناحية الثقافة الإدارية والثقافة السياسية القائمتين على الاحتلال بالقوة والغلبة والنهب المتواصل لمحاصيل المزارعين وإيراداتهم المالية التي كانت تأتي من عدن وبلدان الاغتراب. وعلى الرغم من أن الجمهورية هي صناعة تعزية وجنوبية بامتياز بعد ضخ هذه المنطقة مئات الآلاف من شبابها إلى ميادين القتال لحماية الانقلاب العسكري الذي كان هو الآخر صناعة عستقبلية بامتياز بشراكة لوجيستية واضحة من تجار تعز “جازم الحروي، عبدالغني مطهر، وأحمد ناجي العديني... إلخ”.. وعلى الرغم من الأضواء الإعلامية التي رافقت الصراع العسكري بين الجمهوريين مقاتلي تعز والجنوب وبين الملكيين سكان المنطقة القبلية والذي استمر ست سنوات 62م سبتمبر 1968م والتي انتصرت فيه أدوات الدولة الملكية الهمجية الأولى سنة 1970م، وعلى الرغم من البنى التحتية شبه الحديثة التي قدّمت كمساعدات من أمريكا، ألمانيا، والسعودية لدعم السلطة الهمجية التي أعقبت المصالحة بين الشيوخ التقليديين للمنطقة القبلية، وعلى الرغم من الأوعية السياسية كالمجلس الوطني سنة 1969م، حيث ظهرت المؤشرات الأساسية لهيمنة العسقبليين والشيوخ التقليديين ثم مجلس الشعب التأسيسي والمؤتمر الشعبي العام وهلمّ جرا من الأوعية الشكلية، وعلى الرغم من اتساع دائرة العلاقات مع الخارج والانتساب إلى المنظمات الإقليمية والقارية والدولية، وعلى الرغم من بناء الجامعات وتدفُّق أعداد كبيرة من المتخرّجين، والتماهي مع الشرعية الدولية كحق أريد به باطل والإعلان عن وجود قضاء.. ......يتبع..