الانتهازية مرض أخلاقي يصيب الأفراد والهيئات الاعتبارية فيما يصدر عنها من مواقف تجاه أحداث بعينها والآخرين, وأقبح أنواع مرض الانتهازية ذلك الذي يصيب المجال السياسي والفاعلين في حركته تجاه الذات والغير , حيث الانتهازية مرض مركّب من النفاق والغدر وفجور الخصومة والخروج عن الإطار المرجعي للقيم والمصالح. تتجلّى الانتهازية السياسية في القبول بمواقف وأفعال حال كونها تضر الخصم فقط, أو تحقق للذات مصالح على حساب الآخرين مع الإضرار بمصالح هؤلاء الآخرين أو بدون هذا الإضرار , فإذا صاحب هذه المواقف والأفعال قدر من الانتهازية كان تعبيراً عن أنانية مفرطة ومتضخمة. ومن أقبح الصور الانتهازية السياسية, تلك التي تخرج بشكل مركب من الغدر او الشماتة أو منهما معاً, فالذين ينتهزون الفرصة السانحة أو يخلقون الفرصة, للغدر بالخصوم وتحقيق مكاسب أو انتصارات بأساليب الغدر , هؤلاء , يتردون في مستنقع الرذيل من أخلاق الإنسانية والذميم من تصرفاتها, أما الذين يشمتون بالخصم حال تعرضه لفشل أو خسارة, فهم صنف من الانتهازيين الذين يحول ضعفهم أو عجزهم عن فعل المكارم وصنع المجد, فيكتفون بقبح الشماتة والتشفي , ولا تخلو الانتهازية من الجمع بين قبح الغدر ورذائل الشماتة في سلوك مجرد من سمو القيم ومكارم الأخلاق. ومن فظائع الانتهازية السياسية تلك التي شاهدنا ظهورها المتزايد في المجال السياسي العربي المعاصر , حين قبلت بعض القوى والجماعات السياسية بالعدوان الأجنبي على خصومها وشاركت قوى العدوان على بلدانها باعتبارها فرصة سانحة لها للتخلّص من الخصوم ووراثتهم في سلطة الحكم, حتى وهي تدرك أن للعدوان الأجنبي بواعث ومصالح منه هي إجمالاً ضد المصالح الوطنية العليا لبلدانها. ومن هذا القبح في الانتهازية السياسية تلك المواقف التي تصدر عن أحزاب سياسية تأييداً لسياسات دولية ترى أنها تضر بخصومها على الساحة الوطنية, أو إنها تحقق لها في الخصوم ما عجزت هي عن تحقيقه فيهم بقوتها الذاتية, في حين تكون هذه المواقف خروجاً عن الإطار المرجعي الناظم لهذه الأحزاب والحاكم لسياساتها واتجاهاتها العامة والخاصة, وهنا تعمل هذه الأحزاب على هدم مصداقيتها وتدمير مبادئ الإلزام والالتزام بأدبياتها, وفي هذا تخدع نفسها حين تندفع بالحقد إلى الانتهازية مدمّرة للنفس قبل الغير وللذات قبل الآخر. [email protected]