ثمة ما يجعلنا نتفاءل بقمة الكويت مهما كانت نتائجها لسبب واحد وهو أن الكويت كانت ومازالت وستظل صاحبة المواقف العُروبية الكبيرة، والدعم الأخوي اللا محدود واللا مشروط، دوناً عن بقية الدول. التركيز المباشر على إعادة الاعتبار للفكر والثقافة الاجتماعية باعتبارها الحبل السري الذي من خلاله تتغذى العقلية العربية ما يساعدها على الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ومن ظرف إلى آخر. لو أن بلداً خليجياً غير الكويت استضاف القمة في هذه المرحلة العصيبة والمعقدة في المسار العربي ما كان لتطرح فيها مثل تلك المعالجات الأساسية والمهمة للوعي الجمعي العربي، خاصة وقد انقسم الحضور العربي إلى دوائر ومحاور مغلقة وذات قناعات مسبقة لا تترك لمن يريد لم الشمل فرصة سانحة أو دوراً استثنائياً. الوضع العربي الراهن مازال يدفع باتجاه المزيد من المشاحنات والتناقضات التي قد تسهم في إعادة تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية للمنطقة بشكل عام، ففي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة صراعاً محتدما على المستوى الإقليمي يمكن أن نسميه صراعا من أجل البقاء. في الوقت الذي تذهب بعض الدول لتمارس العلاقة الحميمية المفتوحة مع الطرف الأخر كرد فعل مباشر ومقصود للخلافات الداخلية التي أظهرت تناقضاً في العمل وفي طريقة دعم كل طرف مصالحه الذاتية وعلاقاته المركزية إقليمياً ودولياً. الربيع العربي الذي أمطرت فيه الخزائن الخليجية عاد إلى المنطقة شتاءً قارساً محملاً بغيوم كثيفة لا تصنع غير البرق والرعد والشرارات الملتهبة التي تظهر بين دول المنطقة موشكة بالتحول والتغير باتجاه خريف مرتقب. الإحياء الفكري والثقافي الذي أومت إليه قمة الكويت ربما هو أهم النقاط التي تناولتها القمة على استحياء بعد نصف قرن من الغياب والاغتراب في دهاليز الصراعات والمؤامرات البينية سياسياً واقتصادياً وقبلياً وعشائرياً . لابد من الاعتراف الشجاع بأن الغثاء الفكري والثقافي الذي أفرزته وتفرزه الغرف المغلقة في بعض دول المنطقة بحجة حماية الأمة من الآخر وبدعوة المحافظة على الدين، فقد كان ذلك الهراء هو السبب الأول الذي أصاب العقلية العربية بالضعف والجمود والتبلد، ليس ذلك فحسب؛ بل جعل العقل العربي ينزوي في الهامش الإنساني والحضاري رغم كفاءته وعبقريته وقدرته على المنافسة والتميز. الكويت قادرة على قيادة الأمة العربية باتجاه التحول الفكري والثقافي المطلوب، لأنها البلد الذي استوعب كل الأفكار والتيارات والقدرات والإمكانيات والبنية التحتية الفكرية والثقافية التي ستسهم في تخليق الوعي الجمعي العربي القادر على التخلص من التبعية أو التطرف المرتهن للعنف والصراعات المذهبية والطائفية، ودعوات الاستنزاف التي استهلكت الشعوب العربية عقوداً من الزمن المر. [email protected]