المتتبع للأحداث والمنعطفات التي مرت وتمر بها اليمن يجد أن ثقافة النكران والجحود تزداد انتشاراً وتغلغلاً في الوسط الاجتماعي، دون أن نعير مثل تلك المتغيرات السالبة والمقلقة اهتماماً رسمياً واجتماعياً موازياً حتى تتم المعالجة قبل استفحال الحالة وتحولها إلى مرض عضال لا قدر الله. في أي بلد حضاري لا يمكن أن تختلف القوى السياسية فيه حول القيمة العليا والكبرى للوطن وضرورة المحافظة على أمنه واستقراره وسيادته وتطوره وتميزه عن ما سواه، السبب هو إمكانية اختلافهم في كل شيء وحول كل المصالح إلا الوطن يعتبرونه المصلحة الكبرى للجميع يتفقون حوله ويقدسون الانتماء إليه. ثقافة الجحود والنكران الوطني تتعالى صيحاتها وتزداد منابرها يوما بعد يوم ولا نجد المؤسسات المعنية بدراسة ومعالجة مثل تلك الظواهر التي تنسحب على الثقافة الاجتماعية وتؤثر فيها، بل وتضع في مساراتها البؤر المحرقة التي تخدم بفعلها واستماتتها مشاريع لا علاقة لليمن واليمنيين بها. الموضوع قد يجد استغراباً مؤسسياً وشعبياً، لكن ألأمر اذا ما نظر إليه من خلال الواقع المعاش والتقاطعات الحاصلة بين مصالح الفرقاء ومن لف لهم سيجد الحقيقة ماثلة من خلال الكثير من الخطابات المتصارعة والناقمة على الوضع أو الدولة والظروف التي يمر بها المجتمع اليمني . الحاجة ماسة للوقوف على تلك الخطابات التي تحاول أن تصنع ثقافة اجتماعية تساعدها على إيجاد البيئة الخصبة لأفكارها ومصالحها وارتباطاتها المتعددة والمتنوعة بحسب القائمين على تلك الخطابات والوسائط الثقافية التي تحاول إما تأجيج الأوضاع أو المساهمة في نشر العنف، أو التبشير بالقادم الذي قد يكون الأكثر سوءاً ودموية. المثقفون في مجتمعنا اليمني انشغلوا بالهم السياسي حتى غرقوا ، تناسوا أنهم أصحاب مهمة كبرى تتجاوز العنصر السياسي وتؤثر فيه باتجاه الدفع المتسارع للحلول المرتبطة بالأوضاع والظروف الاجتماعية. السياسيون في مناكفاتهم وصراعاتهم التي لم ولن تنتهي طالما ارتهن كل واحد منهم إلى طرف أو محور إقليمي أو دولي دون أن يكون الوطن قيمة كبرى لديهم فإنهم يزيدون التعقيد تعقيداً والحالة سوءاً . مازال الجميع بحاجة إلى ثقافة وطنية تعزز القيمة الكبرى للوطن ، ومهما ذهبنا باتجاه الحلول المنقوصة للكثير من القضايا العالقة سياسياً في الملف اليمني دون الأخذ بالتشبع الكامل بالثقافة الوطنية المعززة للولاء الوطني، فإن الحالة ستظل قابلة للتردي والسوء. الجميع معني بالمراجعة والمعالجة لما أصاب الثقافة الاجتماعية حتى لا نبقى نحرث في صحراء مجدبة. [email protected]