ثمة حاجة ملحة وضرورية للحوار الهادئ المتعقل والمسئول وطنياً وتاريخياً وحضارياً، للوصول إلى نقاط التوافق والالتقاء المشتركة بين كل الاتجاهات والأطراف والآراء والمسميات والكيانات السياسية في الساحة اليمنية، بقصد تجنيب اليمن ويلات الصراعات الهوجاء والمشاريع والأحلام الطائشة. إن قراءة وتحليل الآراء والأفكار والتباينات على اختلافها تسهم في تخليق المعالجات الموضوعية مهما بلغت حدة التباينات وغرابة المطالب المطروحة من قبل أطراف الحوار، المهم في كل ذلك أن يكون منطلق كل الأطراف هو الحرص على أمن واستقرار وتنمية اليمن الأرض والإنسان، وتحقيق أحلام اليمنيين في الدولة المدنية المنشودة. المؤمل من كل الفعاليات وندوات الحوار التي تُعتمل في رحاب الجامعات ومراكز الأبحاث أن تُساعد إلى حد كبير في بلورة الرؤى وتقريب وجهات النظر من خلال تقديم مقاربات منهجية وموضوعية لكل الأطروحات والمحاور التي يُحتمل أن ينطلق الحوار الوطني منها، بمعنى أن تتشكل الرؤية الوطنية الجامعة التي لاتقصي طرفاً ما أو تتجاهل ما يُطرح من قبل هذا المكون أو ذاك، سواء في شمال الشمال أو جنوب الجنوب، شريطة أن تحترم أولويات ومتطلبات بناء وتنمية اليمن الجديد. إن الأوراق التي اقترحت أثناء المداولات من قبل اللجنة التحضيرية التي ترأسها رئيس جامعة عدن، توزعت على ما يبدو محاور الندوة والآراء المطروحة في الساحة اليمنية والتباينات السياسية الطافية على السطح، التي تحاول كل منها أن تكون هي زاوية الحل وصيغة المعالجة للقضايا والإشكاليات العالقة في عنق الحالة اليمنية منذ صيف 1994م وحتى اللحظة. إن المنعطف الأخطر في المرحلة اليمنية الحاسمة هو التشظي الحاصل في الولاء الوطني والوعي الجمعي، الأمر الذي يُسهم بشكل سلبي في إعاقة التوافق وفتح منافذ للتدخل الإقليمي بما لايخدم الحالة اليمنية إن لم تزدد سوءاً وتعقيداً. لا أحد يُنكر أن التحالف العسكري القبلي لأطراف وقوى معروفة للجميع هو الذي كان وراء كل هذه التداعيات والمشاكل التي لحقت باليمن واليمنيين، معتقدين أنهم سينفردون بالدولة والثروة لكن الأقدار كانت لهم بالمرصاد، وطالما أن هذا التحالف قد قصم الله ظهره وأبطل مشروعه ومقاصده، فإن الحالة اليمنية يجب أن تُعيد تشكلها وترتفع في حواراتها إلى المستوى الوطني والحضاري المطلوب، لأن بقاء الحالة على هذا التراشق المحموم سيفوت الفرص والمكاسب على كل الأطراف، وقد تدخل اليمن في معترك لايعلمه إلا الله، إذا لم يحتكم الجميع إلى داعي العقل والمسئولية الوطنية. ندوات الحوار المتوزعة في غالبية المؤسسات الأكاديمية تستطيع إن تحملت المسئولية والتزمت الموضوعية والمصداقية أن تبلور الأفكار وتقترح المحاور الرئيسية لمؤتمر الحوار الوطني والمداخل الكبرى التي تشكل مربع التوافق والقناعات النهائية للمعالجة المطلوبة للحالة اليمنية التي لاتسر عدواً. نقاط الاختلاف الأكثر هرجاً في الساحة هي تلك التي تنطلق من مشاريع التشظي والتجزئة وتمول من مراجع خارجية لاهم لها سوى البحث عن وكلاء للصراع الإقليمي المحتدم، تلك المشاريع هي التي لارؤية لها في الحوار الوطني بسبب قطعها وعوداً واتفاقات لاعلاقة لها بالقضايا والمعالجات المطلوبة، وإن كان لها حظ في تأجيج الصراع فهم مجبرون لامخيرون إنهم شقات ليس إلا. رحم الله الشيوعيين اليمنيين فقد آمنوا بأن اليمن واحد لايقبل القسمة وأن الدولار الملوث بالعمالة والارتزاق هو عنوان العبودية المعاصرة حتى ولو كان على الطريقة الإسلامية. [email protected]