إن تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم يعنى الانتقال بنظام الحكم من دولة بسيطة «موحدة» إلى دولة اتحادية«مركبة» نظام الحكم فيها اتحادي «فيدرالي». واليمن كدولة لديها العديد من المميزات والمقومات لكي يكون نظام الحكم فيها فيدرالياً وتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم لم يكن محض الصدفة أو ضربة حظ بل أتى ذلك بعد مخاض دام لأكثر من عشرة أشهر ونيف والمتمثل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل لكن ما هو ظاهر ومتداول بين الأوساط السياسية والثقافية وحتى بين أعضاء مؤتمر الحوار أنفسهم هو الاختلافات المتباينة والمفارقات العجيبة والاتجاهات المعاكسة وذلك على نظام الحكم الذي سيحكم اليمن والقادر على إخراجه إلى بر الأمان. فالبعض يرى أن خيار ستة أقاليم ستكون كارثية على اليمن وذلك ليس من باب التعصب الأعمى أو لسبب انتمائهم إلى فئة أولئك الذين يرون بأن التقسيم أو نظام الأقاليم سوف يفقدهم أموالاً وعقار ات وامتيازات حصلوا عليها سابقاً بل أجزم واعتقد بأنهم يرون بعيون ثاقبة لمستقبل اليمن البعيد كونهم لهم باعٌ طويل في السياسة اليمنية وأوضاع البلاد فيما البعض الآخر يرى أيضاً أن تقسيم اليمن إلى إقليمين كما جاء في خيار ورؤية الحزب الاشتراكي سيكون تمهيداً للانفصال والذود عن وحدة اليمن بين شماله وجنوبه ، وكما حدث مثل ذلك في السودان وغيره. فيما بعض الخبراء الاقتصاديين اليمنيين يرون أن نظام الفيدرالية في اليمن يتطلب مليارات الريالات في وقت والوطن ليس قادراً على تحمل هذه الأعباء وهو ما زال مديونياته تفوق بكثير حجم إيراداته ، وفي هذا دليل على أن تطبيق نظام الفيدرالية سيواجه عدة عوائق وعقبات تحده عن أي نهوض تنموي لان الفيدرالية بحاجة إلى مال كون المال هو عصب اللامركزية. ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المزرية والانفلات الأمني في ظل تعثر حكومي واضح، وظهور القبيلة المتزايد، وانتشار الميلشيات في أرجاء الوطن، وازدياد معدل البطالة ،وغيرها من العوامل التي تقف أمام أي توجه لبناء دولة مدنية حديثه. فيما يرى بعض الخبراء في اللامركزية على أنه في حالة ما وجدت إدارة قوية وإدارة صحيحة تعمل على تحسين الآليات لجمع الموارد، وترشيد النفقات، وتفعيل القوانين، ووضع الضوابط، والعمل على إنفاذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري سوف يمكن التغلب على العقبات والعوائق والعمل على وضع الأسس الأولية لبناء النظام الاتحادي المنشود. المشكلة حالياً ليست في الرؤى لطالما ونظام الحكم وتقسيم الأقاليم أقرت لكن المشكلة تكمن في الوضع القائم الذي يجب أن يعمل لأجله الجميع كون الانتقال من الدولة البسيطة إلى اتحادية بحاجة إلى وقت لتأسيس القواعد ولكنه يجب على الجميع حكومة وشعباً استغلال هذه الفترة لصناعة المستقبل المنشود بدلاً من العزف والإيقاع على نغمة اللامركزية ..فالمطلوب أساساً هو العمل الجاد والبناء لبناء الوطن والعمل على فرض هيبة الدولة وعلى الحد من الفساد المالي والإداري.. فنظام الحكم رغم إقراره ليس شيئاً مقدساً وإنما كتجربة ممكن تكون نتائجها سلبية أو إيجابية فهناك دول عديدة اتخذت من نظام الدولة المركبة الاتحادية نظاماً لها فأحدثت نقلة نوعية في النمو والاقتصاد والبعض من الدول اتخذت نفس الحكم وأخفقت فيما يقابله دول عديدة اتخذت من نظام الدولة البسيطة منهاجاً في الحكم وأخفقت كاليمن خير مثال .فتجربة (الفدرالية) كنظام للحكم في بلادنا ممكن نجاحه وبتفوق. ولكن المشكلة تكمن بالمفدرلين أنفسهم حيث تنقصهم هرمونات وإنزيمات (الكونفدرالية اللامركزية الإدارية) والتي تعمل على توسيع عقول المفدرلين وتجعلهم قادرين على إعداد (فدرلة) قابلة للتطبيق على بلادنا وإعداد دساتير وقوانين تكفل جميع الحقوق والواجبات والعيش الكريم .فالمهم والأهم بل والأكثر أهمية هو كما أسلفنا العمل بروح الفريق الواحد وبروح المستقبل، بشحذ الهمم، وشد السواعد، ووضع السيناريوهات الخالية من التعقيدات والصعوبات ووضع الأجندة الموائمة ،ومعالجة المشاكل بطرق اقتصادية، ووقائية، ولابد من العمل بروح الجدية والمثابرة والإلحاح لتفعيل نتائج مؤتمر الحوار الوطني على ارض الواقع. [email protected]