يتمنّى الكثيرون من الناس أن يمنَّ الله عليهم بالذرية، ومن يتأخر عن الإنجاب بعد الزواج يلهث خلف الأطباء والمشعوذين ويبذل كل ما يستطيع من أجل هذه الأمنية العزيزة، كيف لا والبنون هم زينة الحياة الدنيا. ما يحدث مستقبلاً هو أن الكثير ممن تمنّوا هذه الأمنية يصيرون وحوشاً آدمية تقترف أبشع أنواع العذاب الجسدي والنفسي في حق أطفالهم. يتعرّض الكثير من الأطفال في اليمن لانتهاكات عنيفة وشرسة سواء من آبائهم أم من الغير، وإن كانت الانتهاكات أياً كانت وأياً كان مصدرها جريمة حرّمتها كل الأديان والشرائع بيد أن أبشعها وأقساها هي تلك التي يكون مصدرها الأب أو الأم. والانتهاكات قد تكون بالإهمال الذي قد يعرّض الطفل للهلاك أو الإعاقة الدائمة وقد يكون بالضرب لأسباب تافهة، وقد يكون أيضاً بالتحرُّش والاغتصاب الجنسي؛ وهذا ما حدث قبل أسابيع في صنعاء، حيث تعرّضت طفلة لم تتجاوز الخمس سنوات لاغتصاب عنيف من قبل والدها الذي كان تحت تأثير المخدر، وتحت تأثير المخدر أيضاً وفي ذات المدينة أقدم رجل على رمي ابنتيه من الدور الرابع في إحدى البنايات..!!. ومؤخراً أقدم رجل في إحدى محافظات الجمهورية على معاقبة ابنه لإهماله في الدراسة بربطه خلف سيارته وسحله في الشارع ما أدّى إلى وفاته بطريقة بشعة للغاية، وحادثة أخرى كان ضحيتها طفل ربما لم يتجاوز الست سنوات قام والده بجلده ربما بسلك لأنه قام بكسر التلفزيون، هذه نماذج لحوادث ضحيتها أطفال ومرتكبوها الآباء، وأضع تحت كلمة «الآباء» عشرة خطوط حمراء. تزدحم الأسئلة في رؤوس الكثيرين ممن سمعوا وعايشوا هذه الجرائم، ولعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو: لماذا تحجّرت قلوب بعض الآباء ليصير العقاب التأديبي عقاباً مميتاً، كيف يمكن لهذا الأب أن يواجه نفسه وما تبقّى من أبنائه وقد تسبّب بحماقة وبشاعة بقتل أحد أبنائه..؟!. لا شك أن مثل هذه النوعية من الآباء بحاجة ماسة إلى دراسة نفسية، كما نحن بحاجة شديدة إلى التوعية حول كيفية تربية الأبناء الذي صار الكثير منا يجهلونها. في اليمن كثرت المنظمات الإنسانية ومنها المختصة بحقوق الطفل، ولكن ما الذي قدّمته هذه المنظمات؛ في حين نسمع ونقرأ يومياً عن ما يتعرّض له أطفال اليمن من عنف وحرمان من الدراسة بل حرمان من الطفولة..؟!. مؤلم حال الطفل في وطني كما هو حال الوطن بشكل عام، ففي الحالتين لم نستطع أن نسخّر قلوبنا للحب وأصبحنا عاجزين عن العطاء، فالأطفال هم الوطن في مستقبله، والعنف الذي نمارسه ضد الأبناء هو ما يجعل مستقبل هذا الوطن مهدّداًَ بالدمار، فيكف لنا أن نطالب ببناء وطن ونحن قد هدمنا أساسه فصار وطننا بلا قواعد سليمة من شأنها أن ترفعه عالياً..؟!. إن الحديث عن العنف ضد الأطفال في اليمن هو الحديث عن انتهاكات لحقوقهم في المدرسة والشارع والبيت أيضاً وهذا الأخير هو الأسوأ، حيث يتجرّع الطفل الإهانة والضرب والتحرُّش في مكان هو المكان المقدّس لدى الطفل، فمتى صار هذا المكان مصدراً للعنف؛ فكيف سيثق الطفل في أماكن أخرى، وكيف سيثق هذا الطفل المسكين في الآخرين وقد فقد الثقة من مصدر الثقة..؟!. فالطفل الذي لم يتعرّض للعنف المباشر ربما يعايشه عندما يقع هذا العنف الجسدي البشع على أخيه أو جاره أو صديقه؛ هي آثار سلبية يتشرّبها الطفل ليستوطن الخوف في قلبه الصغير ليصبح قلباً خائفاً وليصبح الطفل مستقبلاً شاباً منحرفاً أو في أفضل الأحوال عاجزاً عن العطاء ليكون ضحيّة إن لم يصبح مجرماً. أخيراً لابد أن تقوم المنظمات الإنسانية وخاصة المعنية بحقوق الطفل بتقديم رؤى وبرامج وخطط من شأنها الارتقاء بحالة الطفل، والعمل على دراسات من شأنها الحد من العنف الذي يتعرّض له، وألا يكون عمل تلك المنظمات عملاً إنشائياً يقتصر على التقارير الإخبارية. كما يتوجّب سن قوانين وعقوبات صارمة ضد أي ممن ينتهك حقوق الطفل جسدياً ومعنوياً، وعدم الاكتفاء بسن تلك القوانين وتشريعها بل تنفيذها، لربما بذلك استطعنا حماية الطفل ليكون وجه المستقبل المشرق الذي نحن والوطن في حاجة ماسة إليه. [email protected]