جبالٌ كثيرة في مناطق متباعدة يُقال إن كهف “أهل الكهف” فيها، لكن المؤكد أن البحث الذي مازال جارياً على قدمٍ وساق لن يصل إلى شيء؛ لأن العرب يبحثون عن ذلك الكهف الغابر من داخله..!!. كهف «أهل الكهف» فجوة بين الوعي والعصر، وكذلك الكهف العربي في السياق الرمزي نام الفتية “أهل الكهف” في زمن ما وأفاقوا في زمن آخر؛ كذلك العرب ناموا في القرن السابع للهجرة وأفاقوا في القرن الخامس عشر. لم يدرك أهل الكهف أن سباتهم الذي «ظنّوه يوماً أو بعض يوم» امتد إلى مئات السنين، وكذلك العرب فقدوا إحساسهم بالزمن ويتكلّمون اليوم عن صراعات العصر الأموي والعباسي بانفعال كأنما حدثت البارحة. كأهل الكهف يعيش العرب عصراً جديداً بوعي عصرٍ قديم، يحملون مخاوف ومطالب تولّى زمانها، ويردّدون وصايا ومأثورات منتهية الصلاحية، ويتبنّون قضايا وتوجُّهات لا تنتمي إلى العصر والواقع والحياة. قصة أهل الكهف من أكثر القصص الرمزية عمقاً وإلهاماً، ومنها اقتبس الفلاسفة مصطلح “وعي الكهف” وأطلقوه على نوع من العقليات الماضوية التي تعيش خارج الزمان والعصر. وعي أهل الكهف هو المفهوم النقيض لمفهوم المعاصرة، المعاصرة التي تعني الوعي بشروط والتزامات الحاضر، واستشراف المستقبل على مختلف الأبعاد والمستويات. في السياق العربي، يفهم العرب "المعاصرة" ويمارسونها بشكل يفرغها من مضمونها ولا يخرجهم من الكهف، حيث المعاصرة العربية تعني اقتناء أحدث منتجات العصر واستخدامها لخدمة أقدم قضايا التاريخ. العرب اليوم يشنّون غزواتهم الجاهلية بأحدث الأسلحة، ويتناسلون أحقادهم السحيقة عبر أحدث تقنيات الإعلام والمعلومات، المعركة بين علي ومعاوية على أشدها في “الفيسبوك” و“تويتر” السلفيون ينشرون في “الفورشيرد” كتاب “السيف المشهور على من قال إن الأرض تدور” وبعض الشيعة عبر “اليوتيوب” يجلدون أنفسهم تكفيراً عن تقصير ارتكبه أسلافهم قبل ألف عام..!!. يا إلهي، من أيّ عصرٍ في الماضي تحدّرت هذه الكائنات المتطفّلة على الحاضر، ولماذا لا تتوقف العدّادات في هذه المنطقة التي توقفت فيها الحياة والزمن..؟!. الحياة العربية أحوج ما تكون إلى جيلٍ جديدٍ مجنون ينسف الذاكرة المتعقلة من جذورها، ويستأصل أعضاء الاجترار، ويقلب الكهف المتقادم كالجوارب تحت ضوء الشمس، ويزج بهذا الوعي الأثري والثقافة المتخثّرة إلى متاحف التاريخ حيث يجب أن تكون. نوم أهل الكهف كان حلاً لمشكلة، لكن ترتبت عنه مشكلة أخرى، وهي معاناة الغربة عن العصر، والانفصام بين الوعي والحياة؛ ولأن أولئك الفتية الطيبين أفاقوا في عصرٍ مختلف تماماً، عصر تجاوز قضاياهم ومطالبهم، فلم يعودوا ينتمون إلى شيء، ولا شيء ينتمي إليهم؛ كان من الضروري أن يعودوا إلى كهفهم ثانية، ويُسد عليهم باب الكهف الذي ناموا فيه قرابة ثلاثة قرون. [email protected]