منذ تخلّي النظامين السابقين عام 1990م عن الاقتصاد الموجّه “الاشتراكي” في الجنوب، والاقتصاد المختلط “اقتصاد الدولة والقطاع الخاص” في الشمال، ودخولهما في وحدة إندماجية، مع اختيارهما لنمط الاقتصاد “حر” ، “ آلية السوق” أي الرأسمالي، والذي تكون الدولة في ظله، غير معنية في توفير الوظائف في أجهزتها الحكومية التي صارت مشبعة وفي حالة تخمة فائضة من الموظفين بل وتعيش في وضعية البطالة المقنّعة في هذه الأجهزة. ولأن الفوضى والعشوائية وغياب التخطيط في أعمال الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين ظلت الجامعات والمعاهد الأخرى العامة منها والخاصة تضخ مخرجاتها إلى سوق العمل الراكد والذي لا يحتاج إلى كثير من تخصصات هذه المخرجات والتي تعمل على زيادة اتساع رقعة البطالة وتناميها بصورة مخيفة، حتى صارت مشكلة كبرى معقدة وتعقّد حلّها. والقضية برمّتها تتمحور حول غياب التخطيط للتوفيق بين مخرجات الجامعات والقدرة الاستيعابية لعناصر الخريجين في المرافق الحكومية أو مرافق القطاع الخاص والذي لن يقبل هذا الأخير إلا ما يحتاجه فقط من التخصصات النوعية المؤهلة في تسيير أعماله ولا مجال عنده لأخذ عاملين، لا عمل لهم عنده ومن المستحيل أن يرضى بمسألة اسمها “بطالة مقنّعة” في مرافقه. ونشير إلى أن الحكومات المتعاقبة منذ عام الوحدة 1990م، رفعت يدها عن التدخل في تحديد أسعار السلع في السوق، تماشياً مع تعاطيها في “آلية السوق” قانون ال«عرض والطلب» إلا أنها أي الحكومة أو الحكومات السابقة لم تتخل عن التزامها في توفير الوظيفة العامة للمواطنين، لذا نرى وزارة الخدمة المدنية بمكاتبها المتعددة في كل المحافظات تكتظ بقوائم كبيرة، وكثيرة من طالبي الوظائف. وحسب ما أشرنا إلى ضخامة أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة ورغم الإنفاق الذي تتحمله الخزينة العامة للدولة على عاملين وموظفين في أجهزة الحكومة المختلفة، غير منتجين في غالبهم وإنجازهم الوحيد هو الانتظام والمحافظة على التوقيع في حوافظ الدوام. وما حدث من قبول للدفعة الأخيرة، من المدرسين والمدرسات لم يتم ذلك بدافع الحاجة ولكن لاعتبار سياسي لغرض المراضاة، ولامتصاص غضب الشارع! والمسألة في الأخير بحاجة إلى مراجعة متأنية، وإعادة الاعتبار ل«الغائب» ال “تخطيط” وإعادته في تسيير أعمال الحكومة والجامعات بمخرجاتها واحدة من الضرورات الملحّة التي على حكومة الوفاق التعامل معها دون تسويف. ومضة شعر إننا قد شددنا الخطى عبر درب لنا قد بدى واضحاً للرؤى إنه قائد ركبنا نحو صبح جديد سيأتي منيراً لينهي الدجى من عيون سيمحو القذى إنه حلمنا قد دنى من تخوم الضحى من تخوم الضحى