لعلّي أجد شيئاً من صعوبة في اختيار الكلمات الأولى التي أبدأ بها مقالي هذا؛ فإني به سأخاطب شريحة المثقّفين من الأصدقاء والزملاء الذين أعتز بهم كثيراً وأقرأ لهم وأستفيد من أفكارهم؛ لكني أيضاً لا أستطيع أن أنكر حزني العميق عندما أجد ذلك الطرح المرح أحياناً والجاد أحياناً أخرى والذي يناقش بالحالتين قضايا مهمّة في المجتمع، وهو يقدّم للقارئ فكرته بلغة بعيدة كل البعد عن لغة الإعلام الحقيقية. لم تكن دراستي الجامعية في مجال الإعلام ولكن أثناء دراسة اللغة العربية وعلومها وأصولها كان من الضروري أن تصل بنا سفينة اللغة إلى مرافئ الإعلام لنتزوّد من لغته ونطرق أبواب ماهيتها. هي لا تتعدّى كونها لغة عربية صحيحة تلتزم بكل قواعد اللغة وأصولها؛ بيد أنها تخاطب المجتمع بكافة أطيافه وطبقاته الفكرية والثقافية؛ لذلك كان لزاماً أن تبتعد عن الألفاظ الصعبة والنادرة والتي تحتاج في مجملها إلى تفسير لدى بعض القرّاء، فتأتي عربية صحيحة ولكنها سهلة مفهومة لا يصعب على القارئ أياً كان مستواه الفكري استيعاب ما يقصده الكاتب. هي لغة علمية لها قواعدها وأصولها؛ لذلك فإن الإخلال بها يعتبر نقصاً في مهنية الكاتب الذي يُفترض به أن يكون ملمّاً بأهم ركن من أركان الخطاب الإعلامي، خاصة أن اللغة هي أسلوب التواصل الأول والأهم في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. الحقيقة أن الأمر ليس صعباً على الإطلاق، فإنه يكفي لكتابة مقال أن يعرف الكاتب عن اللغة العربية ما يعرفه عن القراءة السويّة للقرآن الكريم من باب العبادة على الأقل لاسيما أن جميع وسائل الإعلام لديها مصحّحون لغويون على مستوى رفيع أو هكذا يُفترض، وإني هنا أتساءل حقاً: كيف لهؤلاء أن يؤدّوا واجبهم إن كانت المقالات تصلهم مكتوبة عمداً بالطريقة الخطأ..؟!. لم يعد سرّاً أن اللغة العربية تتعرّض لهجوم شرس في الكثير من وسائل الإعلام، بل إن هناك العديد من القنوات الفضائية تبث برامج الأطفال باللهجة العامية للدول التي تنتمي إليها، والغريب أن مثل هذا الأمر - رغم خطورته - يُقابل ببرود إعلامي واجتماعي شديد، بل إن هناك تنافساً بين بعض الدول حول من ينشر لهجته أسرع من الآخر، مع علم الجميع أن هذا سينال في المستقبل القريب من هويّتنا العربية والدينية. قد نجد أن الكثير من الكلمات الأجنبية اقتحمت لغتنا اليومية فأصبحت متداولة عند المثقف وغير المثقف وعند الصغير والكبير، حتى إن الكثيرين ممن يستخدمونها لا يعلمون أنها كلمات أجنبية..!!. إن هذا التداول السهل لكلمات غير عربية في تعاملاتنا اليومية وعدم الوقوف على هذه الظاهرة ومحاولة الحد منها؛ يعتبر في حد ذاته تقصيراً من المثقّفين، فكيف بنا إن وجدنا أن هذا يحدث من المثقف نفسه، أليس حريّاً به أن يخلع عنه كل هذه السلبيات عندما يهم بكتابة مقال..؟!. إن جلّ ما أتمنّاه هو أن نتعاطى مع هذه الظاهرة بروح المسؤولية، وأن نقدّر خطورة استمرارها على ديننا ولغتنا ومجتمعنا وأجيالنا، وأن نكف منذ هذه اللحظة عن الانخراط وراء كل ما هو مستحدث وغريب، فلا معنى لهذا التقليد الأعمى سوى أننا فاقدو الثقة تماماً بأنفسنا، معجبون بالغريب وإن كان سوؤه سافراً. كما أهيب بوسائل الإعلام أن تحث كتّابها وموظّفيها على التزام اللغة العربية السليمة، وألا نسمح لأحد أن ينال من لغتنا العظيمة في نفوسنا ونفوس أجيالنا، فإننا وحدنا نستطيع أن نكون أشد أمانة وحرصاً عليها. وليستشعر كل منا أن هذا اختبار شخصي ألقت به الأيام في طريقه، وأن عليه أن يؤدّي واجبه منفرداً؛ لأن هذا مبدأ آمن به، دون الالتفات إلى رفض أو قبول الآخرين، بهذه الطريقة وحدها سنجد أننا ننتصر على هذا الخطأ والخطر الذي ألمَّ بنا.