عادةً ما يروق لعلماء السياسة وصف الفيدرالية بأنها هندسة سياسية للجمع بين متناقضين، حيث يمكن الحفاظ على بقاء الحكومات المحلّية والدولة الاتحادية، مع منح الأقاليم والمقاطعات صلاحيات شبه مستقلّة، لذا لا ينتج عن هذه “الهندسة” غير أمرين: إما أن تنهض الأقاليم وتعزّز قدراتها ومواردها وتتنافس فيما بينها؛ وبالتالي تنهض الدولة الاتحادية كمحصّلة نهائية للنهوض أو تتعزّز نزعة الاستقلالية ويبدأ إقليم أو أكثر بالتمرُّد. وهذا يعني تفكُّك الدولة الاتحادية، خاصة حين يكون التقسيم الفيدرالي على إقليمين كما حدث في باكستان، أو على ثلاثة أقاليم كما حدث في روديسيا التي انقسمت بأقاليمها الثلاثة إلى ثلاث دول "زيمبابوي وزامبيا وروديسيا". وميزات النظام الفيدرالي أنه يعمل على تجديد روح المنافسة وضبط معايير الكفاءة والاختيار دون اللجوء إلى القوة والسلاح، ويعزّز حضور التجربة الديمقراطية في أوسع نطاق بين فئات الشعب، ويدفع الحكومات المحلية المنتخبة إلى تحمُّل جزء كبير من الأعباء المُلقاة على عاتق الحكومة المركزية، ويتيح الفرص أمام تعدُّد التجارب الاقتصادية والثقافية والسياسية في كل إقليم. لكن أهم عيوب النظام الفيدرالي هو حاجته الدائمة إلى دولة ذات وفرة مالية كبيرة تضمن تنمية الأقاليم الفقيرة حتى تصل بها إلى الحد الأدنى من التنمية، ويحتاج إلى وفرة مال كنفقات تشغيلية لجميع مؤسسات الحكومات المحلّية بكل مكاتبها وفروعها، ويحتاج إلى إعادة بناء متناغم في منظومتي القضاء والأمن في الأقاليم، ويحتاج إلى دولة ذات قبضة عسكرية وأمنية قوية قادرة على ردع حركات التمرُّد والانقسام في الأقاليم كما فعلت الولاياتالمتحدة حين حرّكت جيشها وأمنها في مواجهة ولاية فرجينيا الغربية التي طالبت بالاستقلال عام 1861م. ولأن الدول الاتحادية ذات الاقتصاديات الفقيرة عادةً ما تكون عُرضةً للتفكُّك، خاصة عندما تقوى مقاطعة أو إقليم وتزداد إيراداته ويصبح بمقدوره تحقيق الاكتفاء والاعتماد الذاتي؛ يبدأ الشعور بأن بقاءه ضمن الدولة الاتحادية الفقيرة عبء عليه، ويبدأ السعي في اتجاه حق تقرير المصير، كما حدث حين استقلّت جنوب السودان عام 2011م، وتيمور الشرقية عن اندونيسيا في 2002م، وبنجلادش عن باكستان وسنغافورة عن ماليزيا. وهذا الخوف من التفكُّك دفع الحزب الاشتراكي اليمني إلى تقديم رؤية مزدوجة؛ فهو من ناحية يريد فيدرالية تجعل الجنوب كلّه إقليماً واحداً، ومن ناحية أخرى يرفض التقسيم الحالي بجعل الجنوب من إقليمين وفقاً للحدود الشطرية ذاتها، مبرّراً رفضه بالخوف من انفصال الإقليم الشرقي “حضرموت وغيرها”. بحسب الباحث إحسان عبدالهادي؛ فإن النظام الفيدرالي يخلق عدداً من الإشكاليات في القوانين المزدوجة والمتضاربة بين الأقاليم والحكومة المركزية، وصعوبات أخرى تتمثّل في أداء المحاكم والنيابات التي تعمل بتشريعات وقوانين مختلفة، قد تتعارض فيها مع أحكام وقوانين الحكومة المركزية. كل تلك الميزات والعيوب في النظام الفيدرالي تستدعي من النُخب اليمنية الفاعلة في كل إقليم البحث عن مكامن القوّة والضعف في إقليمها والتهيئة الديمقراطية والتشريعية والثقافية والاجتماعية لتقبُّل ممارسة الحكم والعيش تحت سقف الفيدرالية، وإنهاء هيمنة الدولة المركزية، وتوقف التوجيهات القادمة من “المركز المقدّس” نحو الأطراف، والحفاظ على موارد كل إقليم، وعدم تصديرها إلى خزينة الدولة الاتحادية كحوالات؛ ومن ثم يتقاسمها النافذون كجبايات تدفعها الدولة لهم..!!. [email protected]