شغلتنا السياسة، وفرقتنا الأهواء والأعمال، ولعب الشيطان بعقولنا وتفكيرنا؛ ننام على وقع الهم والغم والتفكير في القادم والمستقبل، ونصحو على وقع الحياة العصيبة والأعمال الكثيفة وكأننا في معركة حياة أو موت، ولا نتذكر الأحداث الإسلامية التي غيّرت مجرى التاريخ - إلا من رحم ربي - ومن تلك الأحداث حادثة الإسراء والمعراج التي اختلف أهل السير في تحديد السنة التي حدثت فيها، وقالوا في ذلك أقوالاً كثيرة، منها ما قاله بعض العلماء: إن ليلة الإسراء والمعراج كانت في السابع والعشرين من شهر رجب، وهو قول اشتهر ونُسب إلى الإمام النووي، واختاره الإمام النووي في فتاواه، ومن هذا المنطلق وبعيداً عن الاختلاف يطيب لي في هذا المقام وفي هذا التوقيت الاستفادة من الأحداث الإسلامية وإبراز حاجتنا الماسة لبعض دروس الإسراء والمعراج؛ لكي نجعلها غذاء للروح والجسد معاً، والتي تتلخص بالأمور الآتية: أولاً: لاشك أن اليمنيين يمرون في مرحلة عصيبة في وطنهم المعطاء؛ بسبب تعدد مراحل التغيير وطبيعة واقع المرحلة التي يعاصرونها ويعيشون بين جوانحها؛ فتراهم يتشاءمون حيناً ويفاءلون حيناً آخر، وترى بعضهم في حالة مد وجزر، فأحياناً يقولون: إن المستقبل يبشر بالخير الوفير، فإذا رأوا ما يحصل اليوم يتألمون ويتحسرون، ولكن لم يعلموا أن ما أصاب الناس من مصيبة فبما كسبت أيديهم، ولعل ما يمرون به جزء من الابتلاء والاختبار في هذه الحياة، كيف لا وحادثة الإسراء المعراج كانت خرقًا لأمور طبيعيَّة ألفها الناس، فقد كانوا يذهبون من مكة إلى الشام في شهر ويعودون في شهر، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب وعاد وعرج به إلى السموات العلا في ليلة واحدة، فكان ذلك امتحانًا واختبارًا للناس جميعًا في عصره هل سيصدقونه أم يكذبونه؟ وعليه لنستفد درساً من ذلك وهو أن ما نمر به في الوقت الحاضر في يمننا يعد امتحاناً واختباراً، وما علينا إلا الصبر في المناشط والمكاره، والصبر في الشدائد له دور في النجاح والتمكين حتى يأتي الفرج من الله سبحانه عاجلاً أم آجلاً، ولنعلم أن الله تعالى مطلع على كل صغيرة وكبيرة وقادر على كل شيء، ومطلع على بدائع صنعه فما علينا إلا أن نراقبه ونعود إليه في السراء والضراء. ثانياً: إن الواقع المعاصر نكت نكتة سوداء في جسد الإسلام الأبيض والنظيف من قبل بعض الخلق؛ وذلك من خلال وصف بعض المسلمين المسالمين بالإرهابيين، وأصبحت تهمة الإرهاب تتجه إلى الإسلام والمسلمين، ولم يعلموا أن الصعود من بيت المقدس في ليلة الإسراء والمعراج كان ذا دلالات عظمى؛ إحداها الأمر بنشر الإسلام وتوسعة إطاره؛ لأنه الدين الخاتم الشامل الجامع الذي ارتضاه الله للناس كافة على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، وشعوبهم، ولغاتهم، فلماذا يوصف الإسلام هذه الأيام بالإرهاب، ولماذا نسمع ونرى من يصف المسلمين المسالمين ومن التزموا بالإسلام وبقواعد الإسلام بالإرهابيين، وهم من الإرهاب بريئون براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في مصر الحبيبة. ثالثاً: يعد فرض الصلاة بهيئتها المعروفة وعددها وأوقاتها اليوميَّة المعروفة على المسلمين في رحلة المعراج دليلاً على أن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي معراجه الذي يعرج عليه إلى الله بروحه، وفي ذلك دليل على أهمية هذه الرحلة العظيمة وأهمية الصلاة وعظمتها في الإسلام؛ ولذلك شدّد الإسلام عليها كل التشديد، وأمر بالقيام بها في السفر والحضر، والأمن والخوف، والصحة والمرض، ولكن نرى هذه الأيام أناساً يصفون أنفسهم مسلمين ولكنهم لا يؤدون هذه الصلاة، وتسمع بعضهم يستهزئون ويقدحون ويذمون ويستحقرون المصلين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكيف نريد النصر والفوز والنجاح والتمكين ونحن بعيدون عن هذه الصلاة ولم نذق حلاوتها؟ الأمر الذي يدعونا إلى أن نعود إلى إقامة هذا الركن حق الإقامة لعظمته الكبرى في الحياة، ونعرج بصلاتنا لرب الأرض والسموات دون تقصير، عسى أن يرحمنا الله ويولي علينا خيارنا، ويكتب لنا النصر في قابل الأيام. رابعاً: من درس المعراج في الصلاة ليكن لنا درس آخر وهو أن نستفيد من الخبرات السابقة وخاصة من الذين خبروا الأوضاع العربية والإسلامية على وجه العموم والوضع اليمني على وجه الخصوص، ونستفيد من السابقين الذين واجهوا أحداثاً صعبة فتعبوا، وبعضهم تأقلموا مع تلك الأوضاع ووضعوا لها حلولاً، وعليه ينبغي لنا أن نتعلم كيف استفاد سيدنا رسول الله من نبي الله موسى عندما أمره أن يراجع ربه في أمر الصلوات قائلاً له - أي موسى - كما تقول السير: “... وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ”. فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم فخفف الله تعالى عنه الصلوات الخمسين إلى خمس صلوات بأجر خمسين صلاة. خامساً: إذا كانت حادثة الإسراء والمعراج معجزة عظيمة من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - فلماذا لا ننقل قلوبنا من القساوة والشدة إلى اللين والعطف والحنان ونعرج بأعمالنا الصالحة إلى المولى عز وجل وندعوه أن يفرج عنا ما نحن فيه من واقع بئيس ومقلق وأن يصلح العباد والبلاد ويعين من كان همه خدمة الوطن والإنسان؟. أخيراً: الحق والباطل في صراع دائم إلى قيام الساعة، ولذلك لابد أن نستفيد أيضاً درساً آخر وهو: أن نصدع بالحق وندعو إليه وإن كان مراً ولا نرضى بالباطل وإن كان حلواً؛ اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أَبَى إلا أن يصدع بالحق؛ لأنه صاحب دعوة ومأمور بالتبليغ، وليس من طبيعة دعوة الحق أن ترضى بالحصار أو تستكين للتعتيم عليها، فكذبه قومه وشككوا في قوله، لكن الله تعالى ألهمه الحقيقة؛ قال جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله يقول: “لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ” فمنهم من آمن ومنهم من كفر، وقد يقول قائل: ذلك كان معجزة ولا استحالة فيه، أقول: نعم كان معجزة، لكن هل نقف مكتوفي الأيدي ولا نصدح بالحق ونترك الباطل يرعد ويزبد كما يشاء؟ ولماذا لا نستفيد من شجاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبر قريشاً أنه أُسري به إلى بيت المقدس وعاد في نفس الليلة، ولم يتأخر ولم يتردد، مع علمه بعناد كفار قريش، وعدم تصديقه في هذا الأمر العظيم؟. من أجل ذلك نحن بحاجة ماسة إلى الصبر وإقامة الصلاة حق الإقامة ونصدع بالحق في كل وقت وحين، كما أننا بحاجة الرجوع إلى التاريخ الإسلامي ومعرفة أحداثه العظمى ونقتدي برسولنا الأعظم وبالسابقين من الصحابة والتابعين، وليكن كل ذلك أسوة لنا وفخراً وكنزاً ننهل من معينهم الذي لا ينضب، ومن شجاعتهم التي لا تقهر، ومن نظرتهم المستقبلية التي بشرت بالاستخلاف والنصر والتمكين والأمان بإذن الله تعالى. [email protected]