الجامعات اليمنية التي يفترض بها أن تكون ساحة للعلم والمعرفة وتكريس ثقافة المواطنة المتساوية, وتنمية وتعزيز حب الوطن والانتماء إليه بين منتسبيها, أصبحت اليوم – للأسف الشديد - ساحة للمكايدات والصراعات الحزبية والسياسية, بفعل المتغيرات السياسية الراهنة على الساحة اليمنية, التي أفرزت بعض الظواهر السلبية, أبرزها اعتماد المعايير الحزبية والمحاصصة السياسية في شغر الوظائف القيادية في أجهزة ومؤسسات الدولة عموماً, وفي الجامعات اليمنية بشكل خاص. إن اعتماد معايير المحاصصة الحزبية أو السياسية في اختيار وتعيين القيادات الإدارية والأكاديمية بالجامعات اليمنية على حساب المعايير العلمية والأكاديمية والقانونية والكفاءة والنزاهة, يعد من وجهة نظري بذرة سيئة في حقل التعليم العالي قد تنبت قيادات هشة وضعيفة لا يمكنها تحقيق أي قيمة مضافة ومفيدة للجامعات والمجتمع, لأنها سوف تكرس وقتها وجهدها لخدمة مصالح أحزابها التي أوصلتها إلى دفة القيادة, حتى وإن تعارضت مع مصالح الجامعة وستظل الجامعات اليمنية بفعل المحاصصة الحزبية ساحات للمكايدة والصراعات السياسية والحزبية التي تحيد بالجامعات عن أداء رسالتها ودورها المطلوب في التعليم والمعرفة وخدمة المجتمع وأبناء المجتمع. كم هو مؤلم حقاً عندما نجد في جامعاتنا الحكومية اليوم شخصيات أكاديمية مبدعة ومتميزة وعلى درجه عالية من العلم والخبرة والمهارة في مجالات اختصاصها ومشهود لها بالنزاهة والكفاءة في أدائها لمهامها وخدمة جامعتها. لكنها للأسف الشديد وبسبب استقلاليتها وعدم انتمائها لحزب سياسي يساندها أو شلة مقربة من قيادات الجامعة تدعمها, مركونة في زوايا النسيان ودائرة الإهمال, لا يستفاد من علمها وخبرتها ومهاراتها في خدمة جامعتها ومجتمعها, ولا تجد فرصتها في تحقيق وترجمة إبداعاتها على ارض الواقع لخدمة الجامعة والمجتمع, وقد تجد مثل هذه الشخصيات المبدعة في بيئتها الجامعية من يحاربها ويكيد لها ويضع أمامها مختلف العراقيل للحد من طموحاتها وإبداعاتها وتقدمها وبالتالي تضطر بعض هذه الشخصيات للاستسلام للأمر الواقع والانطواء على نفسها والاكتفاء بأداء مهامها بشكل روتيني يلائم الواقع المحبط, حفاظاً على مكانتها ولقمة عيشها. والبعض منها تشد الرحال إلى خارج الوطن بحثاً عن بيئة عمل تقدر علمها وخبرتها ومهارتها وتوفر لها الجو المناسب والنقي لتحقيق وتنميه إبداعاتها العلمية والأكاديمية بعيداً عن أي منغصات أو ملوثات حزبية أو سياسية أو مناطقية أو شللية .. وختاماً لا أملك إلا أن أقول لقيادات التعليم العالي ورؤساء الجامعات اليمنية اتقوا الله في جامعاتنا ومستقبل أبنائنا وغلبوا مصلحة الوطن العليا ومصلحة الجامعات ومنتسبيها على أي مصالح حزبية أو شخصية ضيقة, واعلموا جيداً أنكم مسؤولون أمام الله أولاً وأمام الأجيال القادمة من شبابنا عن كل قرار تتخذوه لا يخدم مصلحة الوطن والجامعات ومصلحة ومستقبل هؤلاء الشباب من طلاب وطالبات الجامعة الذين حلموا بالتغيير نحو الأفضل وضحوا بدمائهم لتحقيقه, وتجسيده على ارض الواقع في مختلف المجالات وأولها وابرزها مجال التعليم العالي ,الذي يرتبط مباشرة بمستقبلهم وتحقيق آمالهم وطموحاتهم والمشاركة الفاعلة في بناء وتنمية مجتمعهم ووطنهم وامتهم. ولا أمل لأمة بالنجاة والنهضة والتفوق والعيش الكريم إلا بتعليم عالي حديث وهادف، سليم ومعافى، راسخ وصلب، حر ومستقل من كل أشكال التبعية والهيمنة السياسية والحزبية.