الإثارة والوشاية والنكاية كلّها وسائل انتقامية لا تدل على الرشد السياسي ولا تعبّر عن البعد الاستراتيجي في النظر إلى المستقبل، ولا تقدّم معروفاً ولا تنكر منكراً بقدر ما تعبّر عن الجهل والغباء والفحش السياسي والفجور في الخصومة والبعد المطلق عن الصواب والميل الجارف إلى الغواية والافصاح المتعرّي عن نوايا الخبث والخبائث، لأن فاعل كل ذلك رداؤه القبح ومنهجه الغاية تبرر الوسيلة، ومن أجل ذلك لا يحقق قبولاً في أوساط الناس والنفور منه أقرب إلى واقع الناس، لأنهم يدركون نواياه من خلال أفعاله التي تناقضت مع أقواله فدعى الناس إلى الحذر منه بسبب جوره وعدم التزامه بمكارم الأخلاق. نعم هذا هو حال المشهد السياسي في ساحتنا الوطنية الذي تفرّد ببروز المنكر في القول والفعل المتجرد من ثوابت الدين والوطن والإنسانية بفعل الغواية المتقنة التي أجادتها بعض القوى السياسية التي لم تستطع أن تقدّم ما ينفع الناس ويعزّز بناء الدولة ويحمي الوحدة الوطنية ويصون الكرامة ويرفع الهامة ويزيح الغمة عن كاهل المواطن المثقل بهموم الحياة المكافح من أجل لقمة العيش لسد الرمق، فزادت تلك القوى الهموم بل وضاعفت المعاناة وأزّمت الحياة وحشرت الشعب في النفق المظلم الذي عشقته قوى الجهل والظلام وخططت ودبّرت لحشد الشعب انتقاماً منه لأنه حجب الثقة عنها، فكفرت بالديمقراطية وآمنت بالفوضى التدميرية. إن البعض من عناصر تلك القوى يعتقد أن الفجور في القول والفعل سيرهب الشعب ويجعله يقبل بالإذلال والانكسار ولم يدرك ذلك البعض أن الشعب أكثر وعياً ولا ترغمه الأزمات أو تلين إرادته لفئة أو جماعة تريد استعباده تحت مسميات التدليس والغواية، لأن الشعب يزداد اعتصاماً بحبل الله المتين أمام الغواية والفجور ولا يفوز بقبوله أو رضاه إلا من يؤمن يقيناً بحق الشعب في الاختيار الحر من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة عبر صناديق الاقتراع الأمر الذي يتطلّب إعادة النظر في سلوكيات بعض القوى السياسية من أجل العودة إلى جادة الصواب والتعايش السلمي والقبول بالآخر. إن المشهد السياسي اليوم في أمسّ الحاجة إلى المراجعة العقلانية المؤمنة بالتعايش والقبول بالرأي الآخر بعيداً عن أساليب الغواية والمكر، لأن المشهد لم يعد يحتمل المزيد من الصدمات والمناكفات بسبب نفاد حبر الشعب وبات لازماً على تلك القوى أن تعيد النظر في مسارها وتوجهاتها وستدرك أن اليمن أعظم من الغايات الرخيصة وأن أمنه واستقراره ووحدته وقوته غاية الكافة بإذن الله.