قبل سنوات أتذكّر أنني كتبت مقالاً بعنوان «انهيار القيم» وأنا أرى تلك العمليات المنظمة تارة والعشوائية تارة أخرى لتغشيش طلاب الاختبارات الوزارية في الإعدادية والثانوية العامة. فكثير من أولياء الأمور لا يتابعون أولادهم طوال سنوات دراستهم، وقد تسأل بعض الآباء: في أي صف ولدك..؟ فيقول لك: اسأل أمه..!! لكن عندما يأتي وقت اختبارات الثانوية العامة يتجنّد الآباء والأصدقاء وبعض المعلمين للتفكير في كيف يوصلون الغش والبراشيم إلى الطالب المُختبِر..!!. الأسوأ من ذلك هو أن أولياء الأمور يعدّون الغش حقاً للطالب، ويجب أن يحصل على هذا الحق بأية طريقة سواء برفع الأصوات بالإجابات من الأزقة حول المركز الاختباري أم من التسلُّق إلى النوافذ أو عن طريق رشوة الحراسات أو رشوة مديري المراكز والملاحظين أو بقوة الحضور المتنفّذ من قبل بعض أولياء الأمور مع مرافقيهم، ومالم يكن كذلك فإن بعض مديري المراكز والملاحظين يقومون بجمع المال من الطلاب مقابل إتاحة الفرصة لهم للغش. انهيار القيم في المجتمع والمؤسسة التعليمية أدّى إلى انتشار هذه الثقافة التي تؤدّي بأبنائنا إلى مستقبل ضبابي، ودخولهم في معترك حياة لا مسؤولة منذ أشعرهم هذا المجتمع أن لهم الحق في النجاح من دون اجتهاد، منذ أن سمح الكبار من المعلمين والآباء أن يضيع حق الطالب المتفوّق الذي قضى أيامه ولياليه معتكفاً مع الكتب ليتميّز بالحصول على معدّل وقبله على علم يساعده على خوض المستقبل. منذ سنوات وطلاب الثانوية العامة يعتمدون كثيراً على الغش ليحصلوا على معدّلات هلامية أرقام فقط بينما حقيقة مستواهم العلمي عكس ذلك تماماً، وما يضحكك هو أن أولياء الأمور الذين تجنّدوا لتغشيش أبنائهم يصدّقون أنفسهم أن ابنهم حصل على معدّل كبير، ويستأسدون في الدفاع عن حقّه في دخول كلية تناسب هذا المستوى سواء بالرشوة أم في جامعة خاصة أو في الحصول على منحة خارجية، ونسوا ذلك الغش الذي عن طريقه حصل ابنهم فيه على المعدّل الكبير ليظل ابنهم يتنقّل من كلية إلى أخرى ومن قسم إلى آخر؛ مؤكداً فشله باحثاً عن مشاكل يبرّر بها أسباب تنقُّله بين الكليات والأقسام؛ بينما الفشل العلمي هو الحقيقة التي يرفض الطالب والآباء الاعتراف بها؛ وما هذا إلا نتيجة حصاده الهلامي في الثانوية العامة. ومع هذا كله يظل على وزارة التربية والتعليم أخذ تدابيرها لمنع الغش وفرض عقوبات شديدة على مديري المراكز والملاحظين التي ينتشر الغش فيها، والتوعية المستمرة للقضاء على الثقافة التي تجذّرت في المجتمع بحق الطالب في الحصول على الغش، وابتكار طرق جديدة للاختبارات تمنع حدوث الغش، وقبل هذا وذاك اختيار المسؤولين عن الاختبارات من منذ بداية وضعها ومراجعتها وطباعتها وحتى وصولها إلى المراكز الاختبارية بسريّة تامة؛ لأن ما حدث من تسريب للاختبارات يدلُّ على أن هناك نيّة مبيّتة لضرب مستقبل وطن بأكمله وليس مجرد مناكفات ومكايدات، إنها وسيلة ناجعة لتدمير جيل بأكمله يقوم على عاتقه بناء الوطن. [email protected]