اليوم هو آخر جمعة من شعبان، سنلج الآن إلى بحر رمضان الزاخر وحديقته الغنّاء ذات الروائح الزكيّة والعطور النورانية منطلقها النفس والروح لمن أراد أن يغتسل بكوثر رمضان ويعتبر بمروره وينتهز فرصه المربحة التي لا تقدّر بثمن، فهو شهر الخير والإحسان، وهل بعد الإحسان من مرتبة. الإحسان أعلى من مواقع النجوم وأشهى من الكوثر ونهر الخلود، ورمضان محرابه المسجد، والقرآن ومحرابه الأوسع الإنسان المحتاج والفقير وصلة الرحم التي تنادي بلسان القدرة: «من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله». وأعتقد أن رمضان فرصة لمراجعة النفس كما هو فرصة لتصحيح مسار كثير من الانحرافات والتقصيرات القاتلة مثل التقصير مع الوالدين فوجودهما فرصة بحد ذاتهما للبر والإحسان، ومن لم يفلح مع أبويه لن يفلح مع أي شيء آخر, إن التقصير مع الوالدين من أبرز علامة «الدبور والشقاء». رمضان فرصة لتطهير الروح وعمل المعروف، حاول أن تكون رجلاً معروفاً حتى لو كنت معدماً؛ فلن تعجز أن تنافس في ميدان البر لو أردت «ولو بشق تمرة, أو إماطة الأذى عن الطريق, أو أن تلقى أخاك بوجه طلق, أو أن تدلّ على المحتاج، فالدال على الخير كفاعله». رمضان مدرسة للرحمة والإحسان الراقي والرفيع الذي يعتمد على المعروف كحق وفرصة تلتقطها وليس استعراضاً أو منّة على عباد الله، فالمنّة والاستعراض بالإحسان والمعروف شر محض وخذلان، سئل حكيم: «هل هناك أقبح من البخل..؟!. قال: نعم الكريم إذا تحدث بإحسانه لمن أحسن إليه» الإحسان والمعروف هما مروءة قبل كل شيء؛ يحرص على حفظ ماء وجه الآخرين وكراماتهم. ولهذا فإن الصدقات المبتذلة المصحوبة بالزهو والاستعراض والدعاية وإهانات الناس هي من هذا النوع اللئيم الذي يفقد فيه الأجر حتى طريقة الإحسان، يجب أن تكون بأسلوب حسن؛ فلا إحسان دون وسائل حسنة، ولهذا فإن الطوابير المتزاحمة أمام بيوت البعض لا تعكس هذا المسلك الطيب وإنما شيء آخر؛ على الأقل غياب حس المعروف وروح الإحسان عند هؤلاء؛ ليحاول المحسنون تجاوز هذه الطوابير أو التقليل منها أو على الأقل الاهتمام بها ما استطاعوا. إن المعروف هو تحسُّس أصحاب الحاجات في بيوتهم ومتابعتهم من وراء رداء العفّة والتعفُّف كحاجة ملحّة للمحسن وليس للمحسن إليه، والمحسنون من هذا النوع الراقي هم قليل؛ نسأل من الله أن يكثر منهم لأنهم علامة خير في المجتمع ومن يعملون بإحسانهم النوراني ونياتهم الصادقة على التقليل من المصائب والوقاية من مصارع السوء للفرد والمجتمع، وبالتأكيد هؤلاء ليسوا ممن يدلّون عن أنفسهم، وجمعتكم مباركة، ورمضان كريم. [email protected]