بعيداً عن الخوض في التوظيف السيئ لبيوت الله في ممارسة المماحكات الحزبية والمهاترات الفكرية والسياسية والاعتداءات اللفظية والجسدية التي تحدث – للأسف - في أروقة بعض المساجد في ربوع بلادنا.. فهذا أمر يدمي القلب ويطول الحديث فيه، وهو لا يخفى على أحد. لكن مقالتي عن «بُيُوتٍ أذنَ اللهُ أنْ تُرفعَ ويُذكرَ فيها اسمُه...» هل هي بالفعل كما وصفها سبحانه في أحكم كتابه، أم هي بُيوتٌ أذن الله – حاشاه – أن تُرفع بقلع جيرانها، فيغادروا منازلهم لشدة ما يعانون من الإزعاج والضجيج الصادر ممن بداخلها؟! للأسف هذا هو حال كثير من مساجدنا اليوم، فقد تحولت من دورٍ للسكينة والطمأنينة وأماكنَ يذكر فيها اسمُ الله إلى مصدر للإزعاج وإقلاق راحة الناس بمكبرات الصوت التي تخترق الحواجز المادّية لتصل إلى أسماعنا قوية عنيفة، وتحدث ردة فعل سلبية للغاية. فعِوضاً عن أن تشدنا أصوات الدعاة إلى الله، وتجمع شتات أرواحنا المثقلة بالهموم، في اتجاه واحد نحو السماء – وهذا ما نتمناه - فإن ما يحدث هو العكس ، حيث تصلنا هذه الأصوات القوية، وكأنها صرخات مدوية تشق جدران أنفسنا المرهقة أصلاً. وبدلاً من حدوث الارتياح النفسي والتناغم الروحي مع هذه الأصوات والتحليق بأرواحنا في فضاءات ملكوت الله – وهذا ما نرجوه - فإن ما تحدثه في أنفسنا هو الانزعاج والضيق، وأحياناً قد يصل بنا الأمر إلى الإنكار على المؤذن بدلاً من الترديد خلفه؛ لشدة ارتفاع الصوت ونشازه أيضاً لدى البعض!! وليت الأمر يقف عند الأذان لهان الأمر وقلنا: «أرحنا بها يا بلال»!! لكن للأسف لم يعد من بلال ولا بلبل يشدّنا نحو كثير منها؛ فقد تعالت مكبرات الصوت الحديثة لبث الإزعاج ولأوقات طويلة من اليوم والليلة، ففي بعض المساجد وبين الصلوات المفروضة لابد من أن تُفتح المكبرات لدرس أو محاضرة، أو مسجل لصوت مقرئ، أو أصوات متعالية في جدال حاد - يصل في بعض الحالات إلى أكثر من مجرد جدال - أو لإجراء تجارب على صلاحية «السماعات» الخارجية!! يخترق هذا الضجيج البيوت المجاورة لهذه المساجد دون مراعاة من بداخلها، فمنهم المريض الذي يحاول جاهداً أن يغمض له جفن فيهنأ بساعة نوم هروباً من آلامه وأوهامه. ومنهم الطالب الذي يحاول جمع شتات المعلومات في ذاكرته. ومنهم العامل الذي أنهكته ساعات العمل الشاقة، يحلم بسويعات من النوم الهانئ تعيد له بعض طاقته. ومنهم الطفل الصغير الذي تجاهد أمه باستماتة توفير أجواء هادئة يغلق فيها عينيه؛ لعله ينام وتنام هي، أو تقوم بإنجاز المهام المنزلية الأخرى. لكنها الدعوة إلى الله!! ويزداد الأمر سوءًا مع حلول شهر رمضان المبارك، حيث ترتفع «هيستيريا» التقرب إلى الله بإزعاج عباد الله لدى بعض القائمين على بيوت الله!! مبارك علينا جميعاً الشهر الفضيل!! «وحسبنا الله ونعم الوكيل».