البعض من القوى السياسية الجديدة تفتقر إلى البعد الاستراتيجي والسبب في ذلك هو اعتمادها على التفكير إلا في الضيق الذي يحقق لها مكاسب سياسية سريعة، بمعنى أن مثل تلك القوى تفكر بمنطق الربح السريع الذي لا يعتمد على الدراسات الاستراتيجية العلمية التي تحدّد معالم بناء الدولة المركزية القادرة والمقتدرة، وفي اعتقادي أن تفكير تلك القوى لا يخرج عن احتمالين لا أرى لهما ثالثا،ً فالاحتمال الأول: التفكير المتعمد الذي يدرك النتائج مسبقاً ويدرك المآلات التي ستؤول البلاد إليها والمتعلقة بالوحدة الوطنية والحفاظ على اليمن الكبير والسبب في ذلك هو أن هدفه محدد ومعروف ولا يطمح إلى بناء الدولة اليمنية بقدر ما يحصر نفسه في نطاق ضيق تحقيقاً لرغبة القوى الخارجية الذي رهن نفسه لها، ومثل هذا الاتجاه لا يمثّل اتجاهاً وطنياً مطلقاً لأنه اتجاه تمزيقي وسيرفضه الشعب جملة وتفصيلاً، وإن امتلك قوة الحديد والنار إلا أنه سيخلق بأفعاله العدوانية على الوحدة الوطنية قوى وطنية متحدة تقود التوحد وتناهض الانهزامية والانتهازية الانفصالية أياً كانت، أما الاحتمال الثاني : فهو أن تلك القوى لديها توجه قوي لبناء الدولة المركزية اليمنية القوية ولديها الحرص الشديد على وحدة الوطن اليمني الواحد وتدرك تمام الإدراك أن التفريط بثوابت الوحدة الوطنية خيانة كبرى ويصبح لديها الوطن الواحد والموحد هو أساس بناء الدولة اليمنية القوية، وبدون ذلك فإن الحياة السياسية عبث وفوضى تُغرق الشعب في مستنقع الصراعات المناطقية والمذهبية والقبلية والحزبية، ولكنه لا يمتلك الرؤيا الوطنية لكيفية بناء هذه الدولة القادرة والمقتدرة والواحدة والموحّدة ويصبح ما يظهر منه من التصرفات عفوية وقابلة إلى المراجعة والتدقيق في نتائجها وهو اتجاه قابل للتعلم طالما هذه الاستراتيجية هي الحفاظ على الوحدة والنظام الجمهوري ولديه القدرة على استيعاب المتطلبات اللازمة لبناء الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون وهو بحاجة إلى المزيد من القبول بالآخر والشراكة الحقيقية في الحياة السياسية التي لا تستثني أحداً من القوى التي تمتلك الكفاءات والخبرات الوطنية. إن المشهد السياسي اليوم في اليمن لا يخرج عن هذين الاحتمالين فإن كان الغالب هو الاحتمال الأول فإنه مرفوض ولا يمتلك أدنى قدر من الشرعية الشعبية، لأن الشعب في سبيل وحدته وسلامة دولته اليمنية الواحدة سيقدّم الغالي والنفيس وإن كان الغالب في المشهد السياسي الراهن هو الاحتمال الثاني فإن القوى المجرّبة والخبيرة والشعب سيكون يداً واحدة من أجل يمن واحد وموحّد بإذن الله.