اثنان وخمسون عاماً مضت من عمر ثورة 26 سبتمبر 1962م التي قضت على الحكم الملكي الإمامي الفردي في الجزء الشمالي والغربي من وطننا اليمني، وواحد وخمسون عاماً مضت من عمر ثورة 14 أكتوبر 1963م التي قضت على الحكم السلاطيني وأجبرت الاحتلال البريطاني على الرحيل من الجزء الجنوبي والشرقي من الوطن في ال30 من نوفمبر 1967م، وأربعة وعشرون عاماً وأربعة أشهر مضت على إعادة وحدة اليمن أرضاً وإنساناً وقيام الجمهورية اليمنية في ال22 من مايو 1990م، ولكن للأسف الشديد لم يتحرر شعبنا اليمني من مخلفات الماضي الإمامي والسلاطيني والاستعماري فمازال أسيراً لتلك المخلفات التي تتخفى تحت عباءة الجمهورية والنظام الجمهوري. تقاتل اليمنيون في الشمال ثمان سنوات بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م بين مدافع عن الثورة والجمهورية ومطالب بعودة الإمامة والحكم الملكي، وتقاتلوا في الجنوب باسم الثورة والجمهورية والديمقراطية (الجبهة القومية وجبهة التحرير) بعد نيل الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، وتقاتل اليمنيون الشمال والجنوب باسم الوحدة في عام 1972م وعام 1978م، وتقاتلوا مرة ثالثة بعد إعادة الوحدة في صيف 1994م بين مدافع عن الوحدة ومطالب بالانفصال.. وشهد الوطن على مدى ال52 عاماً الماضية عدداً من محطات الصراع والعنف على السلطة سواءً في الشمال أو الجنوب قبل إعادة الوحدة.. ففي الشمال تم الانقلاب على الرئيس عبدالله السلال في 5 نوفمبر 1967م والإطاحة بالرئيس عبدالرحمن الأرياني في 13 يونيو 1974م واغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977م واغتيال الرئيس أحمد الغشمي في 24يونيو 1978م.. وفي الجنوب تم الانقلاب على الرئيس قحطان محمد الشعبي في 22 يونيو 1969م والانقلاب على الرئيس سالم ربيع علي في 22 يونيو 1978م والإطاحة بالرئيس عبدالفتاح إسماعيل في أبريل 1980م والانقلاب على الرئيس علي ناصر محمد في 13 يناير 1986م وبعد إعادة وحدة الوطن في 22 مايو 1990م تفاءل اليمنيون كثيراً بأنهم قد ودعوا الماضي التشطيري بكل صراعاته ومآسيه وسيعيشون واقعاً جديداً ومستقبلاً مشرقاً في وطن آمن ومستقر ومزدهر، ولكن أحلامهم تبخرت عندما ظهرت بوادر الأزمة السياسية بين شريكي تحقيق منجز الوحدة الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض والتي أفضت إلى تفجر الحرب في أبريل 1994م ورغم كل المعالجات التي تمت من قبل القيادة السياسية لتضميد الجراح وتعميق عرى الوحدة الوطنية ومن ذلك إسقاط الأحكام القضائية التي صدرت في حق (قائمة ال16) إلا أن الجراحات التي سببتها الحرب الملعونة ظلت تنزف ولم تندمل لأن هناك من يريد لها أن لا تندمل وأن تظل تنزف. لم تكن حرب صيف 1994م آخر محطات الحروب ودوامات العنف والصراعات فقد اندلعت ستة حروب بين الدولة والخارجين عنها في صعدة (الحوثيين) وصولاً إلى العام 2011م اندلعت مطلعه أزمة سياسية عصيبة كادت تعصف بالوطن والشعب نحو هاوية سحيقة، ولكن الله لطف بالبلاد والعباد، حيث ألهم طرفا الصراع على السلطة تحكيم العقل والمنطق فكانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة هي المنقذ لليمن واليمنيين من الانجراف نحو حرب طاحنة تحرق الأخضر واليابس ومثلت المبادرة الخليجية خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف لليمنيين لتحقيق التغيير المنشود والسير نحو المستقبل المزدهر وبناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة التي تتحقق في ظلها العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، ولكن هناك قوى خارجية تتربص باليمن لها أجندتها ومخططاتها التآمرية تسعى لتقويض العملية السياسية وإدخال البلاد والشعب في دوامة من الفوضى والعنف والدمار تحت يافطات متعددة كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا.. وهناك قوى داخلية لها أيضاً أجندتها ومخططاتها لتحقيق مصالحها فعمدت إلى انتهاج أسلوب خلط الأوراق مستغلة ما حدث من أخطاء جراء عملية انتقال السلطة وعجز حكومة الوفاق الوطني في ترجمة آمال وطموحات الشعب اليمني في تحقيق خطوات ملموسة نحو التغيير المنشود والمستقبل الأفضل وبناء الدولة المدنية الحديثة فكانت النتيجة ما يشهده الوطن حالياً من أزمة عصيبة تنذر بكارثة لا سمح الله في حال عدم احتوائها قبل استفحالها.. ما يحدث اليوم لن يعيدنا إلى المربع الأول الذي كنا عليه في العام 2011م وحسب بل سيأخذنا إلى أبعد من ذلك وهو مربع الحرب والفتنة الطائفية والمذهبية.. ولذلك فإنه يتوجب على كل عقلاء اليمن من سياسيين وعلماء وأكاديميين ومثقفين وإعلاميين وصحفيين وكتاب ومشائخ ووجهاء وشخصيات اجتماعية القيام بواجبهم الديني والوطني في احتواء الأزمة ووقف تداعياتها وإيجاد الحلول العاجلة والناجعة لها قبل أن تستفحل.. يجب تحكيم العقل والمنطق وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والشخصية وتفويت الفرصة على أصحاب المشاريع الصغيرة لتنفيذ المخططات والأجندة الخارجية، فالنار إذا اشتعلت سيكتوي بنارها الجميع دون استثناء.