تشير الأزمات التي تحكّمت في الوضع السياسي اليمني في مرحلة ما بعد الحوار الوطني إلى خلل في الأداء الذي سار عليه الحوار وانتهى به إلى مرحلة مفتوحة على التأزّم، ومحكومة بالأخطاء التي استخفت بالعملية الحوارية وابتعدت بها عن الجدية المطلوبة في تعامل مكونات مؤتمر الحوار مع القضايا والاستحقاقات. كان على مؤتمر الحوار أن يُنهي أعماله بتوافق مكوناته على واحد من خيارين فرضتهما عليه الآلية المزمنة لاتفاق نقل السلطة والتي أوجبت على مكونات الحوار أن تختار بين تمديد الفترة الانتقالية بشروطها عاماً إضافياً أو الانتقال منها إلى مرحلة أخرى محددة المهام والآليات والفترة الزمنية، لكن مكونات المؤتمر تجاهلت أهمية الوضوح فيما يخرج عنه من رؤى وتصوّرات، فارضة على الواقع وضعاً لا يمكن تسميته تمديداً لمرحلة أو انتقالاً إلى أخرى. خلافاً للتوقعات المبنية على فشل مؤتمر الحوار في تقديم الحل العادل للقضية الجنوبية، فإن الأزمات لم تولد في الجنوب، وعلى العكس انفجرت في الشمال وتحديداً في قضية صعدة وذلك لسبب واضح وظاهر يشير إلى أن تقسيم الجنوب بين إقليمين دفع بالحراك الجنوبي إلى التهدئة خوفاً من تفتت وحدته الكيانية بينما عمل هذا التقسيم في الشمال على تحفيز الصراع بين القوى الباحثة عن موقعها في الجغرافيا على أساس تميزها الثقافي مذهبياً أو طائفياً ولهذا وبمرجعيته اتجه الإرهاب إلى الجنوب. إن جمود الفعل السياسي وتوقفه عن الحركة في الشهور التي تلت إنهاء الحوار الوطني واقتصار تنفيذ مخرجات الحوار على تشكيل بعض اللجان أقول إن هذا أدى إلى فراغ سياسي تحكّمت فيه نفسية القلق المنبعث من خيبة الشعب ويأسه من إمكانية التغيير إذا لم تجد الأحزاب السياسية ما تقدّمه لجماهيرها كإنجاز معتبر على أي صعيد حتى قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية ليضع الأغلبية المتضررة من الغلاء وزيادة الأسعار في حالة غليان انحاز إليها الحوثيون وتحرّكوا بها نحو مطالب ما كان لها أن ترفع لو نجح الحوار في وضع اليمن على بوابة تحوّل جديد. الشراكة الوطنية هي الآلية التي يتحقق بها التغيير المنشود سياسياً من خلال إرادة شعبية سعت إليه وانتصرت له في انتفاضتها عام 2011م وهذه الشراكة تعني الجنوب أولاً وتشمل كل الوطن من حيث استعادة دولة الوحدة المغتالة بالحرب صيف العام 94م وهي شراكة مشروطة لتجاوز الأزمة وإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة وحقها في المشاركة من خلال محلية كاملة واتحادية ضامنة للتوازن والمساواة. [email protected]