عندما خرج شباب الوطن إلى الساحات والميادين في فبراير 2011 م, كان حلمهم الكبير وهدفهم الأساسي إحداث عملية تغيير في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمعيشية التي تهم الوطن والمواطن, تغيير ينتقل باليمن نحو رحاب دولة مدنية حديثة تتكون من منظومة متكاملة من الهيئات والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية.. تديرها قيادات متخصصة نزيهة وأمينة ومخلصة تحرص كل الحرص على مصلحة الوطن وتنميته وتقدمه وأمنه واستقراره وتبذل جلّ اهتمامها وجهدها لخدمة أبناء هذا الوطن في شتى المجالات. وفق منظومة متكاملة من القوانين والتشريعات والسياسات والأساليب والوسائل الحديثة والمتطورة وفي إطار دستور واضح وشامل ومحدد يرتضيه الجميع ويحتكم إليه، ويضمن لكل أبناء المجتمع الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وينعم الجميع في ظل هذه الدولة بالأمان والاستقرار والعيش الرغيد والحياة الهنيئة، ويسهم الجميع كفريق عمل واحد في التنمية والنهوض بها وحمايتها والحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها. تغيير شامل ومدروس ومخطط مبني على رؤية واضحة وسليمة ودقيقة لمعطيات الواقع ومتطلبات المستقبل, يستهدف في الأساس التطوير والنهوض بالوطن في شتى المجالات, وتعزيز وحماية وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي الواحد, وتعزيز مكانته ووضعه بين الأمم والشعوب. تغيير يستأصل كل رموز ومظاهر وبؤر الفساد بكل أشكاله المالي والإداري والسياسي من مختلف أجهزة ومفاصل الدولة والحكومة, ويقوم على فكرة البناء والتعمير والتطوير وليس الهدم والخراب والتدمير. ولتحقيق هذا الهدف الكبير أجمعت كل الأطراف والمكونات السياسية على الساحة اليمنية, والغالبية العظمى من أبناء الوطن على اختيار المشير عبد ربه منصور هادي لقيادة عملية التغيير في مرحلتها الأولى والأساسية لكن للأسف الشديد, لم يكن مسار التغيير المنشود معبّداً وسهلاً أمام رئيس الجمهورية, حيث اعترضت هذا المسار الكثير من المعوقات والمطبات والحواجز الشائكة, بفعل تراكمات الماضي والمكايدات والمصالح الحزبية الضيقة, وافتقار بعض القوى والأطراف السياسية على الساحة اليمنية إلى الهوية الوطنية والحرص على مصلحة الوطن العليا وتركيزها على هوياتها ومصالحها الخاصة. وبالرغم من أن مختلف الأطراف السياسية اليمنية قد خاضت غمار حوار مطوّل على مدى عشرة أشهر للخروج برؤى وقواسم مشتركة لبناء الدولة اليمنية الحديثة, وذلك من خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي تمخضت عنه وثيقة حوار تضمنت خارطة طريق لبناء الدولة اليمنية الحديثة, وقعت عليها جميع الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار؛ إلا أن ما تضمنته هذه الوثيقة - للأسف الشديد - ربما لن يرى النور نتيجة الأحداث والمشاكل المتتالية التي يمر بها الوطن اليوم. والتي قد تهدّد أمن واستقرار ووحدة هذا الوطن, وتنحرف بمسار التغيير الذي كنا ننشده لهذا الوطن نحو اتجاه مظلم يعود بالوطن إلى عهود التخلف والرجعية والتشرذم والانفصال. وفي ظل الأزمة التي يمر بها الوطن اليوم يبقى الأمل في قائد التغيير، الرئيس عبد ربه منصور هادي في أن يقوم بدور فعّال لإعادة عجلة التغيير نحو مسارها المنشود, باعتباره محلّ إجماع أبناء الشعب ومختلف الأطراف السياسية على الساحة اليمنية, التي اختارته في انتخابات ديمقراطية للقيام بهذا الدور , بالإضافة إلى ما يحظى به من دعم دولي وإقليمي كبير يمكنه من القيام بدور فعّال في هذا الاتجاه. ولكي يقوم الرئيس بهذا الدور كقائد لعملية التغيير ينبغي التركيز على عدة جوانب أو متطلبات ضرورية لعملية التغيير في الوقت الراهن أبرزها – من وجهة نظري – ما يلي: التركيز على تحقيق مصالحة وطنية بين مختلف القوى والأطراف السياسية على الساحة اليمنية, بحيث تصبح جميع هذه القوى والأطراف شريكاً فعّالاً في بناء الدولة , وعوناً وسنداً للرئيس في إحداث التغيير المنشود. - إجراء تغييرات حقيقية للعديد من القيادات السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة, وخصوصاً القيادات التي أثبتت فشلها في أداء مهامها خلال الفترة الماضية, أو القيادات الفاسدة مهما كان مركزها وانتماؤها الحزبي أو القبلي أو المناطقي. وليس تغييرات سطحية تعتمد على مجرد تغيير المراكز والمواقع لنفس تلك القيادات والوجوه التاريخية التي انتهت صلاحيتها الوظيفية, وسأمها أبناء الشعب. ورفد الحكومة وأجهزة الدولة بوجوه جديدة من القيادات الشابة والمتخصصة في مختلف المجالات, وفقاً لاعتبارات ومعايير الكفاءة والنزاهة والقدرة على أداء المهام الموكلة إليها بأمانة وإخلاص وتفانٍ, لخدمة كل أبناء الوطن, وليس لخدمة جماعة محددة أو أطراف سياسية وحزبية معينة. - اتخاذ قرارات جريئة لحماية أمن واستقرار ووحدة الوطن, وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني , واستئصال بؤر ومواطن الفساد, مهما كانت هذه القرارات مزعجة لجهات وأطراف سياسية أو حزبية معينة وتتعارض مع مصالحها وأجنداتها, مادامت هذه القرارات ستؤدي إلى حقن دماء اليمنيين, وترسيخ دعائم الوحدة والأمن والاستقرار في كل أنحاء الوطن، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن. - التركيز في عملية التغيير على الجوانب والأوليات المرتبطة بتعزيز الهوية الوطنية وترسيخ الأمن والاستقرار في المجتمع , والبدء بتنفيذ منظومة متكاملة من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية المرتبطة بحياة أبناء المجتمع وأوضاعهم المعيشية، فالسلطة القوية والوطن القوي هما نتاج شعب ومجتمع ومواطنين أقوياء في اقتصادهم وحقوقهم وأمنهم وكرامتهم وحاضرهم ومستقبلهم. - الصدق والشفافية في إطلاع أبناء الوطن على حقيقة ما يتعرّض له الوطن من مخاطر وتهديدات ومؤامرات والجهات أو الأطراف السياسية والحزبية التي تقف وراءها من داخل أو خارج اليمن. ومن يعرقل مسيرة التغيير وتنفيذ مخرجات الحوار من هذه الجهات أو الأطراف, وذلك من خلال وسائل الإعلام الرسمية, حتى لا يقع أبناء الوطن في حيرة من أمرهم نتيجة سيل الأخبار والتحليلات المضلّلة في كثير من الأحيان أو الإشاعات المغرضة التي تنشرها الكثير من وسائط الإعلام الخاصة والحزبية والمجهولة المصدر حول ما يدور على الساحة اليمنية من أحداث ومتغيرات. - إشراك المجتمع الدولي في تحمل مسؤوليته أمام ما يحدث في اليمن وخصوصاً الأممالمتحدة والدول الراعية للمبادرة الخليجية ودعوتها إلى تحمل مسؤوليتها في دعم عملية التغيير في اليمن وتنفيذ مخرجات الحوار, والوقوف بقوة أمام معرقلي التسوية السياسية وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وختاماً يمكنني القول: إن نجاح الرئيس عبدربه منصور هادي في قيادة عملية التغيير وتجسيد المتطلبات السابقة بفاعلية, مرهون بمدى تعاوننا ودعمنا له ووقوفنا معه كأبناء لهذا الوطن ومساندته قولاً وعملاً في قيادة عملية التغيير المنشود, خصوصاً في ظل الضغوط السياسية والإعلامية الشديدة التي يتعرّض لها الأخ الرئيس في الوقت الراهن, وحجم التحديات والمعوقات والفتن والأحداث التي يمر بها الوطن حالياً. حفظ الله اليمن من كل المشاكل والأزمات والفتن, وألهم قياداتها وأطراف العمل السياسي فيها الحكمة وحبّ الوطن والصواب والرشد وفصل الخطاب, والعمل سوياً لكل ما فيه خير وتقدم وأمن واستقرار ووحدة هذا الوطن الغالي, إنه ولي ذلك والقادر عليه وحسبنا الله ونعم الوكيل. [email protected]