صباح يوم نشر هذا المقال بساعة، صاح طفل جائع يقطن في مدينة هامشية صيحة أدّت إِلَى وقوع ما لم يكن له أن يقع إلاّ في عقل مُخرج هوليودي مجنون يريد إفشال فيلمه..!!. إذ توارد كل حامل سلاح في اليمن إِلَى صنعاء في منظر مهيب أرعب الناس، وما أن تكدّست بهم المدينة؛ حَتَّى اطمئن الناس بأن ثمّة حرب إبادة ستحدث، ولكِنّ طمأنينتهم لم تدم طويلاً؛ إذ وقع العكس تماماً، انتخب المسلّحون وبصورة ديمقراطية نزيهة ثلاثة أشخاص مهمتهم إحضار أحد أكبر تجار صهر الحديد، اعطوه كل أسلحتهم وأشرفوا على عملية صهرها وتحويل المنصهر إِلَى أدوات واستخدامات نافعة. وما أن انتهت العملية بنجاح، ولم يعد في اليمن كلّها قطعة سلاح واحدة؛ اتفقوا على عودة كل مسلّح سابقاً إِلَى محافظته، وفيها يقوم مع أبناء المنطقة بحملة نظافة واسعة، وبالفعل عاد الجميع إِلَى محافظاتهم، وبتعاون فريد من نوعه لا يحدث سوى في الأساطير والخرافات قام الجميع برفع المخلّفات والقمامة وغسل الشوارع بالماء والصابون..!!. وبمجرد ما انتهت عملية التنظيف بنجاح؛ استقبل الجميع كمّيات كافية من الحديد التي صهرها التاجر وحوّلها إلى استخدامات إنسانية عدة منها كراسي تصلح للاستخدام التربوي، سلالم قوية، أعمدة لبناء الأساسات، أسوار صغيرة بهدف الحفاظ على عملية التشجير الكبرى التي يعتزمون القيام بها على أرصفة الشوارع وأخرى. وفي منظر مهيب زلزل وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية؛ وزّعوا الكراسي وبصورة عادلة على المدارس استفادوا من الأعمدة في وضع الأساسات لعدد من الأراضي التابعة للدولة والتي كانت في عُهدة “نهّابة” بهدف إنشاء مصحّات ومساكن متواضعة استفادوا من الأسوار في تنظيم عملية تشجير الأرصفة والجزر وضُعت البذور وسوّرت؛ بدت المدن نظيفة لامعة لا سلاح فيها ولا ألم، شوارعها محاطة بالخضرة. ومن دون الحاجة إلى ميزانيات ولجان ومهندسين و....إلخ قاموا بجمع ما لفظته حملة النظافة من المشمّعات والعلب البلاستيكية والأخشاب ونفايات البناء وكل ما يصلح للإعمار استفادوا من الأخشاب ونفايات البناء وبأسلوب بسيط في بناء مصحّات ومساكن متواضعة؛ ولأنها بلا سقف ذهبوا بالمشمّعات والعلب البلاستكية إلى أحد تجّار الصهر أرغموه مقابل مال يعادل قيمة حبة خبز عن كل مواطن على صهرها وتحويلها إِلَى أسقف. وما أن انتهوا حَتَّى استكملوا نهضتهم بجمع كل المجانين والمخبولين والمتسوّلين من الشوارع وتسكينهم في المساكن، وإرغام كل الدكاترة على العمل طوعياً لمدة ساعة واحدة في اليوم في إطار برنامج متكامل يهدف إلى إعادة عقولهم إلى رؤوسهم وتنظيفها من كل وسخ..!!. بدت المدن أكثر من نظيفة والمشهد مؤثّراً للغاية؛ كل ذلك حصل خلال عشرة أيام فقط.
آه...لقد تبقّى على نهاية عامنا هذا ما يقارب ال 25 يوماً، فهل يمكن لحدث خيالي كهذا أن يقع..؟!. لا يبدو أن ذلك ممكناً أو معقولاً، لكِنّ المشجّع حقاً قدرة الطفل على الصياح واختلاق تلك القصة الكاذبة..!!. [email protected]