يسود اتفاق بين جل المفكرين على أننا نعيش في عالم من القسوة، وأنه لتجاوز هذه القسوة والعبور إلى عالم الحب والسلام فلابد من سيادة إنسانية الإنسان، فهذا (موريس) يقول: “إن أقل ما يمكن أن يقال اليوم هو إننا أصبحنا في ورطة رهيبة.. وأنه لمن المحتمل جداً.. بدءاً من هذه اللحظة نفسها حتى نهاية القرن الحالي.. أن نفني بعضنا البعض”. وبحسب (ايما نويل مونييه)، فإن الإنسانية تجد نفسها اليوم أمام خيارين هما: العدم أو الحياة.. إن خيار الحياة يفرض على الإنسان أن يصبح أكثر إنسانية. لذلك، نعتقد أنه ليس من المبالغة أن نقول: بأن مستقبل الإنسانية اليوم, رهين بدرجة الاعتبار الذي نعطيه للروح الإنسانية, وبالاحترام المتبادل للقيم.. تلك القيم التي تشكل أساس استمرار الحياة في ظل الكرامة. وتشير (كاثلين تايلور) إلى أن ظاهرة القسوة (العنف) هي نوع من السلوك الذي يجسد شرور الإنسان.. وأن من يرتكب أعمال العنف ليس بالضرورة شخصاً منحرفاً أو مريضاً أو شريراً بالفطرة.. بل إن القسوة سلوك منطقي من الممكن أن ينفذه بشر عاديون.. كما أن كثيرا من العنف لا ينبعث دون إعداد مسبق في عقول من يمارسونه.. وتنشأ القسوة أساساً من فشل الإنسان.. حيث يرتبط العنف بالفشل، وليس بالحقد والكراهية، كما يظن البعض.. تنبعث دوافع القسوة عند الإنسان من تبلد المشاعر مع غلظة القلب والسادية.. حيث يتأثر بالعواطف والأحاسيس التي تدفعه إلى الفعل القاسي.. فضلاً عن ارتباطه مع عدد من المتغيرات الاجتماعية والأخلاقية والثقافية.. كما أن معتقدات الإنسان أيضاً يمكن أن تقوده إلى الأفعال القاسية وجرائم العنف.. وفي هذا الإطار ينبغي التأكيد هنا على أن غياب الفهم الصحيح للدين.. والهوية.. وطبيعة العلاقة مع الآخر أياً كان.. هو المناخ المناسب لأي صراع يحول ما هو إيجابي قائم على الاختلاف والتعدد إلى عنف دموي يناقض جوهر الدين والفهم السليم للهوية الوطنية.. ويحقّق غايات الطامحين للسيطرة على الوطن (أرضاً وشعباً ومقدرات)!. ومن جانب آخر فإن مفهوم العدوانية يأخذ صورة مركزية لمنظومة مفاهيم التسلط وأبعاده المحورية.. والتي تتمثل في العنف والإرهاب والقمع والتسلط.. فالعدوان والعدواني بالنتيجة هو ممارسة سيكولوجية أو مادية للعنف والقمع والإكراه والإرهاب والعدوان.. وبالتالي فإن هذه المظاهر هي نتائج لفعل التسلط الذي يستجمع في ذاته مقومات هذه المفاهيم ويستخدمها. ويترافق التسلط العدواني مع أبشع أنواع الاستغلال الاقتصادي، وفي هذا الجانب تشير (روزا لوكسمبورغ) إلى “إن التاريخ لم يثبت لنا أكثر من أن جميع الحروب والحضارات التي قامت حتى الآن كان عمادها دم الفقراء وجماجمهم.. بدءاً من الملايين التي سُحقت تحت حجارة الفراعنة.. ووصولاً إلى الملايين الأفارقة الذين شرب فراعنة رأس المال في أوروبا وأمريكا نخب حضارتهم المزيفة في أسواق النخاسة.. والتي ستبقى جرحاً غائراً في ضمير البشرية”. ومن هذا المنطلق فإن الإرهاب هو نسق الفعاليات والخبرات السلبية العنيفة التي يخضع لها ويعانيها من يقع عليه العدوان: كالعقوبات الجسدية، والاستهزاء، والسخرية، والتهكم، وأحكام التبخيس، وغير ذلك من الاحباطات النفسية والمعنوية.. التي تشكل المناخ العام لحالة من الخوف والتوتر والقلق التي يعانيها ضحايا العدوان.. والتي تستمر عبر الزمن.. وتؤدي إلى نوع من العطالة النفسية والفكرية.. وإلى حالة من الاستلاب وعدم القدرة على التكيف والمبادرة.. ويجمع الإرهاب بين ممارسة للعنف والتسلط والإكراه والقسر والعدوانية. بينما يرى (بول روبيرت) أن الكراهية تعبر عن إحساس عنيف يدفع المرء إلى الرغبة في إيذاء أحد ما، والحصول على السعادة عبر إنزال الأذى بالآخر. .وهي أيضاً، بُغض شديد ونفور من شيء ما. ولكن بالمقابل، عندما يمارس الظلم ضد الإنسان، وتنتهك أو تسلب أو تنتقص حقوقه، أو يمارس ضده أي صنف من صنوف القسوة والعنف والعدوان والإرهاب والكراهية، فمن الطبيعي أن يتولد الإحباط.. والإحباط كمفهوم يتداخل مع مفهوم الكبت.. فبينما يشير الكبت إلى العملية التي يتم بموجبها دفع الرغبات التي لا يمكن إشباعها إلى ساحة اللاشعور.. فإن الإحباط يشير إلى الحيلولة بين الفرد وتحقيق رغباته دون أن تصبح هذه الرغبات لا شعورية.. أي أنها تبقى ماثلة في ساحة الشعور مع ما يرافقها من أحاسيس الخيبة والحسرة.. وهنا يصبح الإنسان مهيأً للقيام بكل أنواع العنفية كتعبير عن عملية التحول لمشاعر الكبت والإحباط المتراكمين. وهنا يصبح الحق ذو أولوية تأتي قبل الواجب.. فعند التمعن في ظاهرة الفردية والعدوان التي تطغى على العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا، نجد أن الأساس الذي يحكمها هو الواجب.. وليس الحق!!!. الأمر الذي يتطلب التغيير.. ولتغيير هذا الواقع يستلزم الأمر الجمع بينهما في كفتي ميزان بالتساوي.. على أن يسبق الحق الواجب.. لأن العدوان والاعتداء على الحرية والمساواة أوجب المطالبة بالحق.. الأمر الذي أدى إلى التفكير في الطريقة التي نوقف بها هذا العدوان.. إذ لا حاجة لنا للحق إذا لم نحس أنه قد اعتدي علينا.. ولكي نعي حقنا وجب أن ندرك الظلم الممارس علينا. وبعدها وبناء عليها يمكن التفكير في أدوات التغيير وأساليبه، وهو ما نجد تفسيره في العبارة التي أطلقها (رومانو كيارديني) قائلاً: “إن جوهر عصرنا ومهمته الأساسية تكمن في تنظيم القوة الكامنة فيه بطريقة يستطيع فيها المرء أن يستخدمها بعقلانية وموضوعية”. ومن هذا المنطلق، فإننا نتطلع إلى التغيير من أجل استعادة حقوقنا، مع الأخذ بالاعتبار أن حقنا في الأمن هو أساس الحقوق، وأولها.. فقد نصت المادة (الثالثة) من (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) لعام (1948)، أنه “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر