منذ بروسترويكا وجلاسنوست جورباتشوف في الإتحاد السوفيتي أو ما اسماه الكاتب والمحلل السياسي الشهير محمد حسنين هيكل بزلزال الاتحاد السوفيتي الذي تحول الى طوفان كاسح إلى أوربا الشرقية والغربية ثم الى بقية العالم انهارت نظريات وعقائد وتجددت أخرى وتقسمت بلدان وتغيرت الخرائط . فعندما نفذت المحاولة الانقلابية الفاشلة في الاتحاد السوفيتي يوم 19 أغسطس 1991 التي بدأت بمحاولة اقصاء رئيس البلاد “جورباتشوف” عن الحكم كون نهجه في قيادة البلاد أدى إلى انهيار المستوى المعيشي للناس وتشجيع السوق السوداء وخلق نزعات خطيرة كانت محاولة الانقلاب البداية لتفكك الدولة العظمى « الإتحاد السوفيتي » عندما أعلنت الاستقلال جمهورياته بشكل جماعي. وتلا ذلك ثورات برتقالية في أروبا الشرقية والغربية وصراعات فيما بدأت دول الرأسمالية وفي مقدمتها امريكا وبريطانيا بتجديد نفسها وهو ما اطلق عليه المفكر المصري الشهير فؤاد زكريا “ الرأسمالية تجدد نفسها” واصدر كتاباً بهذا العنوان نشرته سلسلة عالم المعرفة وتفاعلت الأحداث على خارطة العالم ليبرز اعداء وخصوم كثر على خارطة العالم بقاراته ودولة المختلفة. وجاءت جريمة تفجير ابراج التجارة العالمية في نيويورك في إطار صناعة الخصوم والأعداء لخدمة مصالح دولية في دول الأطراف وخصوصاً الشرق الأوسط “ منطقة قلب العالم” بحوافها التي تصل الى آسيا الوسطى والقوقاز على تخوم روسيا الإتحادية وتتجه جنوباً الى البحر العربي جنوب شبه الجزيرة العربية. من لا يتذكر “ وثائق ويكيلكس” التي مهدت لثورات الربيع العربية فقد تناولت بتوسع فضائح الدول التي اصبحت فيما بعد مسرحاً لثورات الربيع التي حدثت فيها تغييرات بالصدمات كموجة من موجات الفوضى الخلاقة التي لم تستوعبها الأنظمةو القوى الحاكمة ولا القوى الجديدة – القديمة التي تم تمكينها بطرق حملت في مساراتها الغاماً لتفجيرها في الوقت المناسب أو المقرر لدى صانع ومحرك ما اطلق عليه “ الثورة الخلاقة “.ففي ديسمبر 2010 كانت عربة البوعزيزي في تونس التي يقتات منها وهو العاطل عن العمل سبباً لإشعال النار في جسمه ليشعل “ البوعزيزي” بذلك ثورات الربيع العربي التي انتشرت بسرعة البرق الى دول محددة كانت “ وثائق ويكليكس “ قد اختصتها بتوسع فضائحي لإنظمتها وقواها الحاكمة واطلق العديد من الكتاب والمحللين على ذلك الموجة الثانية من الفوضى الخلاقة بعد الموجة الأولى التي تمثلت في احتلال العراق 2003 التي بدأت بالتبشير بزرع الديموقراطية بالقوة ليكتشف الجميع انها خدعة جعلت الأغلبية في العراق تتغول لتقصي الأقلية وكان هدفها الرئيس تدمير كيان الدولة عبر حل الجيش النظامي واجتثاث الحاكم المتمثل في العراق بالبعث. واتضح فيما بعد وفقاً لتطور الأحداث في العراق أن ما حصل هو تسليم شؤون العراق للإدارة الإيرانية وكانت هذه هي الإرادة الأميركية لمستقبل العراق وإن كانت إيران تلعن أميركا صباح ومساء قبل أن يكون التعاون علناً سواء فيما يتعلق بالحرب على « داعش » المصنوعة امريكياً وبريطانياً باعتراف كبار المسئولين في الدولتين كما تم صناعة « القاعدة » وبن لادن المقتول والأفغان العرب من قبل لمقاتلة الإتحاد السوفيتي في افغانستان والشيشان . وفي سبتمبر الماضي واستمراراً للتغيير بالصدمات بدأت موجة جديدة من الفوضى الخلاقة ومثلت تغييراً كبيراً في الساحة الإقليمية في المنطقة اطلق عليها المحللون السياسيون أنها الأكبر بعد ثورات 2011 إذ بدأت الضربات الجوية على «داعش» في 20 سبتمبر وبدا تنظيم “داعش” كأنه نصرة سنة سورية والعراق وكان هناك خطاباً طائفياً للجمهور السني المحتقن في البلدين ، كما سرت تفاهمات أخرى في اماكن محددة من الخارطة الإقليمة كان هذه المرة في اليمن حيث تم اجتياح صنعاء في سهولة لافتة تبين مع تلاحق الأحداث أن هناك تفاهمات اقليمية ومحلية لصناعة يمن جديد بشكل جديد وخرائط جديدة على الأرض. وتبدو حروب ومعارك اسعار النفط اليوم في سياق التغيير بالصدمات وموجة جديدة من موجات الفوضى الخلاقة فتهاوي اسعار النفط بنسبة تزيد على 50% وتبادل الإتهامات بين الدول المنتجة مع دخول منتجين هامشيين الى الأسواق وإنتاج أنواع جديدة من النفط “ النفط الصخري” ودخول امريكا على خط حروب النفط انتاجاً وتصديراً بعد أن كانت اكبر مستور له في العالم.وهوما جعل العديد من المحللين السياسيين يصفون ما يجري بأنه ليس إلا نوعاً جديداً من الحروب وأول المتضررين منها الذين اعلنوها وهي الدول المنتجة للنفط التي تأمل في النهاية بهزيمة المنافسين ليس في مجال النفط فقط وإنما في مجال السياسة و التوسع والحضور الإقليمي والهدف تركيعهم بتفاهمات جديدة تحد من طموحهم وتؤدي الى تقليم اظافرهم وتقزيم ادوات سيطرتهم وفي المقدمة « روسياوإيران ». وأخيراً : علينا قراءة تبدلات وتوترات الأطراف السياسية في الدول على الخارطة المحددة “ بقلب العالم” وهي دول الشرق الأوسط الممتدة من القوقاز شمالاً حتى البحر العربي جنوباً بانها في سياق التغيير بالصدمات وما يجري فيها هو موجة من الموجات المتلاحقة للفوضى الخلاقة التي يراد بها الإنعاش والتسمين والتكبير للقوى المختارة ثم الحصار والتصغير دون الوصول الى الإبادة النهائية وإنما ترك “خميرة” منها يمكن استخدامها تبعاً للمصالح ومتطلباتها والأن هل فهمت الأطراف والقوى المتصارعة والمتحاربة على مستوى الدول في الإقليم أو “ منطقة قلب العالم” وعلى مستوى كل دولة نتمنى انه تكون مستوعبة لما يراد لها . والله من وراء القصد والهادي الى سواء السبيل. [email protected]