وفي السياق الضروري لردّة الفعل السياسية ومقاومة الطغمة العسقبلية وشيوخ الإقطاع التقليدي بكل شرائحهما المؤتلفة والمتضادة للتطوّرات السياسية التي عصفت برأس الطغمة وضربت في الصميم الحق التاريخي والنهج القبائلي؛ انتفضت تلك القوات العسكرية والأمنية والمتفشية بداخلها الأمراض الثقافية والمعبّأة المحرّضة على كراهية أبناء المناطق الزراعية والجنوبية على الطابع الانتقالي لمجموعة المشاركين في السلطة الجديدة الأكثر نهماً للمال وذات الانتماء الجغرافي غير المعتاد وغير المقبول في صنعاء كما كان عليه سنة 1968 و1978م. وتجلّت تلك الانتفاضة السلبية بالتالي: عملت الشبكة العسكرية والأمنية المكوّنة من أبناء رئيس الطغمة الحاكمة السابق وأبناء أخيه وأبناء أخواته وأزواج بناته وأزواج بنات أخيه وأقاربه والقادة العسكريين والأمنيين الذين فقدوا وظائفهم العليا جرّاء انتقال السلطة على تعطيل وظيفة القوات العسكرية والأمنية والمخابرات وإدارة الفوضى من خلال وحداتها وفروعها وبنيت هذه الفوضى المفاجئة على علاقة هذه الشبكة بالأجهزة العميقة المسيطر عليها عبر قناة الفساد والمخابرات والمال والإعلام. الإغراق المتعمّد بالوظائف العسكرية الوهمية والوظائف المزدوجة والتي صبّت في مصلحة القادة العسكريين والأمنيين والمخابراتيين والذين أضحوا يعيشون في ترف غير اعتيادي بينما آلاف الجنود يعيشون ظروفاً معيشية تعيسة. ارتفاع وتيرة الاغتيالات للعسكريين والأمنيين من الضباط النوعيين على أساس الاختيار الجهوي الطائفي بهدف حرمان الفترة الانتقالية من خبرة وكفاءة هؤلاء الضباط ووضع مجموعة السلطة الحاكمة أمام الأمر الواقع في اختيار الضباط المقصيين من أعضاء العسقبلية الفاسدين، هؤلاء الضباط الفاسدون الذين ذهبوا إلى منازلهم الفاخرة لأخذ استراحة وتحوّلوا إلى خلايا نائمة مبرمجة على أساس عصبوي سرعان ما سوف تنتظم بأعمال إجرامية ارتدادية كقوى مضادة. الجدير بالذكر أن الاغتيالات للضباط والصف ضباط والجنود لم يكشف عن المتورطين فيها حتى هذه اللحظة، ويعود السبب إلى أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية واقعة تحت سيطرة الشبكة العسكرية والأمنية التابعة للطغمة العسقبلية السابقة بشقيها، وأن الأوامر تصدر من غرفة عمليات هذه الشبكة لاصطياد الضباط من كافة الوحدات العسكرية والأمنية وفي كل الأمكنة بما في ذلك أمام بوابة المؤسسة الاقتصادية العسكرية في صنعاء. افتعال تمرّدات عسكرية في المناطق العسكرية والألوية التي لا تضم تلك القوة الحقيقية وفقاً للقوام البشري لكل الألوية والكتائب والمناطق العسكرية، ورصدت التقارير عشرات التمرّدات المضحكة على القادة المعيّنين بقرارات عليا، حيث يتم حصارهم في مكاتبهم وطردهم من المعسكرات ومن ثم تضطر القيادات العليا إلى تغييرهم من وحدة عسكرية إلى أخرى، وشكّلت التمرّدات العسكرية قلقاً داخل مجموعة السلطة التي وجدت نفسها معزولة عن تلك القوات؛ وبالتالي عدم قدرتها على اتخاذ قرارات عسكرية صائبة وعدم قدرتها على استخدام القانون لإجهاض تلك الأعمال الممنهجة والموجّهة من شبكة تمتلك كل مقوّمات إدارة السلطة القديمة وأجهزتها العسكرية والأمنية. مشهد التمرّدات الممتدة من المهرة حتى معسكر صباحة في غرب صنعاء أنه لم تبذل أية جهود لبناء قوات مسلّحة متماسكة تخضع للنظام والقانون، ودلّت على الطابع البربري القبلي المتعصّب لمنتسبي القوات العسكرية، كما يدلُّ على أن القيادات العسكرية التي تقود ميدانياً هذه التمرّدات تنتمي إلى مناطق قبلية تدين بالولاء الشخصي لمن منحها الرتب العسكرية ووضعها على رأس الوحدات العسكرية، والتمرّد في حالة اليمن من قبل الوحدات العسكرية المكوّنة للقوات المسلّحة لا يؤدّي كما هو جارٍ في دول أفريقية مشهورة بتدبير الانقلابات القبلية والتجمع في منطقة محدّدة والتحوّل إلى منصّة إطلاق صفارة التمرُّد للاستيلاء على السلطة؛ بل أدّى هنا إلى إحداث إرباك في المشهد السياسي وتعميم الفوضى..!!.