“B” بعد تجريفهم القاعدة الاقتصادية المتواضعة التي أنشأتها الحكومات السابقة في الجنوب منذ 1967م وهي التي أمنت جزءاً من احتياجات السكان ولعلمهم أو قراءتهم للتاريخ الذي لم يمي عليه أكثر من أربعة قرون، عمل الابتلاعيون بضغينة بشعة على تنفيذ استراتيجية تدمير البنى التحتية التي لا تخدم تحركاتهم العسكرية السريعة للوصول إلى الأهداف المعادية لإخمادها وتدميرها تدميراً كاملاً، فعلى سبيل المثال قاموا بإنشاء الطريق الساحلي الممتد من سواحل الحديدة مروراً بغرب تعز الساحلي وصولاً إلى عمرانفعدن، كذلك الطرق الملتفة على محافظة عدن من الشرق والشمال واغرقوا عدن بالمعسكرات كحصار محكم تفادياً لأية احتقانات اجتماعية وسياسية تؤدي إلى رفض هذه السياسة السلطوية، أما الطريق الممتد من عدن وحتى المكلا مروراً بأبين فلم يحفلوا بها لأنها منطقة عازلة بين الموقع الاستراتيجي بباب المندب خليج عدن وبين مواقع حقول النفط في شبوة وحضرموت. واستهتر النظام السابق بالنظام والقانون والإدارة التي كان يفتخر بتطبيقها سكان الجنوب لتجنب الانزلاق إلى الفوضى والمنازعات الاجتماعية التي كانت قد غابت عن المنظومة الاجتماعية، أي أنهم تعمدوا إحداث فراغ دولتي في الجنوب ليسهل عليهم تغيير التركيب السكاني وإفراز منازعات ذات طبيعة عشائرية وقبائلية ومناطقية.. وبهذا الصدد أو لأغراض الترجمة الميدانية لاستراتيجية إضعاف الديمغرافية الجنوبية المثيرة لقلق الابتلاعيين، قامت القيادة العليا للطغمة العسقبلية بوضع خارطة ميدانية للسيطرة والتحكم عبر التقسيم العسكري للجغرافيا وكان من نصيب الجنوب منطقتين هما: المنطقة الجنوبية والمنطقة الشرقية وتولاهما عنصران بارزان من أفراد الطغمة وظلت المنطقة الجنوبية هي الأكثر أهمية والتي آلت إلى مهدي مقولة الموالي لرأس الطغمة وهو من أكثر القادة قدرة على الانغماس في الأعمال الإجرامية ضد المجتمعات وتولى قيادة العصابات التي فرخت في المعسكرات ودفعت إلى الجنوب للقيام بالعمليات الإجرامية تحت مسميات عديدة منها جيش عدن الإسلامي، جماعة الجهاد تحت قيادة طارق الفضلي، تنظيم القاعدة تحت قيادة الوحيشي وانصار الشريعة تحت قيادة جمال بلعيدي أحد ضباط الأمن، وكل قيادات هذه العصابات لها أوضاع وظيفية في جهازي الأمن السياسي والأمن القومي وجهاز الاستخبارات العسكرية وانطلقت معسكراتهم بداية في المناطق الشمالية، ثم انتقلت إلى المراقشة وبعض مناطق أبينوشبوة عبر المركز الجديد في مأرب الذي أشرف عليه حينذاك الأمن القومي. وقامت هذه العصابات المنظمة بعمليات اغتيالات في صنعاء وإب وتعز وهاجمت قوة الأمل الأمريكية في فندق عدن، ورقي قائد هذه العملية إلى قائد إحدى مديريات الأمن، كما يعين بعض منفذي عمليات الاغتيالات كمدراء أمن وأعضاء في ما يسمى بمجلس النواب.. واستغلالاً لأحداث 11سبتمبر 2001م في نيويوركالأمريكية والحرب الأمريكية ضد حكومة طالبان في أفغانستان وللخروج من العزلة السياسية الإقليمية والدولية قامت الطغمة بعمليتين انتحاريتين الأولى في خليج عدن ضد المدمرة «كول» الأمريكية، والثانية ضد السفينة «ليمبرج» الفرنسية وهما عمليتان مدروستان ودقيقتان للفت أنظار أرباب النعمة وقادة الحرب العالمية ضد الإرهاب، وبالتنسيق مع السلطة العراقية بقيادة صدام حسين بحسب عملية ال«cia» «سوزان لوراندو» ونجحت هاتان العمليتان بلفت الانتباه المطلوب، الأمر الذي أنطوى على بدء فترة من العلاقات الإيجابية بين الطغمة العسقبلية والإدارة الأمريكية التي قدمت كافة المساعدات المالية واللوجستية لإنشاء جهاز الأمن القومي في أغسطس 2002م تحت وهم بأن هذا الجهاز سوف يعمل وفقاً للخطة الاستخباراتية لمجموعة المخابرات الأمريكية. والتجربة الأمريكية في اليمن منذ عودة نشاط المخابرات الأمريكية والدبلوماسية الأمريكية لم تشر إلى أي جهد قامت به هذه الأجهزة للمساهمة في بناء الدولة.