في مقالات سابقة نشرت في هذه الزاوية تطرّقت فيها الى الحملة الإعلامية الشرسة الموجهة ضد اليمن وشعبها، وكنت أظن أنها وليدة ظروف معينة سرعان ما تنتهي .. لكن مع الأسف فمسلسل الحملة الإعلامية ضد اليمن لايزال مستمراً بحدة أشد من ذي قبل.. ومن يتابع هذه الأيام الإعلام الموجّه من داخل اليمن وخارجها وخاصة القنوات الفضائية التي تجعل من اليمن متصدّرة لأخبارها وما تحتوي عليه من مبالغة في التناول تجعل من يتابعها يعتقد أن اليمن على حافة الانهيار لا محالة، مع أن ما يجري على أرض الواقع هو حراك شعبي ضد الظلم تشهده اليمن لأول مرة سوف تتمخض عنه عملية تغيير كبرى تؤسس لمستقبل يمني مختلف تسوده دولة النظام والقانون التي ستكفل المواطنة المتساوية للجميع.. وبما أن هذا المخاض كبير ومزعج لمن أرادوا في الماضي والحاضر وربما في المستقبل أن يبقى اليمن دولة متخلفة وضعيفة فإن الأمر يكاد يكون طبيعياً كما هو الحال عندما تتعرّض له جميع الدول التي تحاول الاعتماد على شعوبها في عملية التغيير والبناء والتنمية خاصة الدول الديمقراطية التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر ، وتقر دساتيرها التعددية الحزبية وحرية الصحافة كجزء رئيس من حياة شعوبها السياسية وهذا هو حال اليمن اليوم. لكن لأن العين حمراء على اليمنيين ويتم النظر إليهم من قبل من لا يحبون لهم الخير بنظرة عدائية، فإنه يتم تضخيم ما يجري في بلدهم ويصوّر إعلامياً بحجم مغاير للحقيقة تشتم منه رائحة التآمر على اليمن وتشويه سمعتها في الخارج، وهو تصرّف لا يمكن أن يقبل به أحد من أبناء اليمن المخلصين لوطنهم والمدافعين عن ثورتهم ووحدتهم.. وهنا لابد لي من العودة إلى ماسبق وكتبته في مقال سابق معلقاً فيه على دواعي الحملة الاعلامية الموجهة ضد اليمن واليمنيين، لأن ما جاء فيه ينطبق حرفياً على ما يمر به الشعب اليمني اليوم من تآمر على مقدراته ومحاولة لإجهاض تحقيق تطلّعاته. إن هذا النوع من الحروب الاعلامية المدمرة للقيم والمبادئ والأخلاق يحسن الأعداء استغلاله في كثير من الحالات للتأثير على الشعوب خصوصاً وأن هذه الشائعات المحبوكة جيداً يتفنن العديد من علماء النفس والحرب الاعلامية ورجال الاستخبارات في إدارتها وتوجيهها جيداً وتقديمها للمشاهد والمستمع عبر الأبواق الاعلامية المعادية ومن يواليها لأمتنا العربية والاسلامية في قالب يجعل ممن لا يعرف الحقيقة يُصاب بالخوف والهلع، وهذه الوسائل التي تقوم بمثل هذا النوع من التضخيم للأمور قد عودتنا دائماً لجوئها الى الحرب الاعلامية والادعاءات الكاذبة قبل وأثناء أي عمل تُقدم عليه الدول الكبرى صاحبة المصلحة في ذلك كخطوة أولية ومهمة لتحقيق أهدافها الخبيثة لا بهدف الترويج فحسب وإنما بهدف تزييف الحقائق وطمسها وتهيئة الرأي العام لتقبلها دون التفكير بعواقبها ومدى صحتها وهو ماحدث مؤخراً بالنسبة لموقفها من اليمن قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن وبعدها ولكن هذه الوسائل الاعلامية الموجهة فوجئت بأن الجبل تمخض وولد فأراً.. وكما سبق القول إن العين حمراء على اليمن وخاصة منذ قيام ثورتها الخالدة (سبتمبر وأكتوبر)، وتحررها من الاستعمار البريطاني في الجنوب ثم إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، وما تلا ذلك من أحداث ومخاضات توّجت بثورة 11فبراير 2011م، وثورة 21 سبتمبر 2014م فإننا سنظل نسمع الكثير والكثير من المواقف العدائية والشائعات المغرضة التي تتصاعد في ظل الحرب الاعلامية الدائرة والتسابق على نشر الأكاذيب والمبالغة في تصويرها للأحداث الصغيرة لكي تتحول إلى أحداث كبيرة مخيفة.. وذلك يؤكد زيف المعلومات التي تبثها بعض القنوات الفضائية عبر مراسليها في الداخل اليمني كجزء من الحرب النفسية في إطار حرب شاملة اقتصادية وسياسية واجتماعية تستهدف تقويض معنويات الشعوب ومحاولة لتمرير مخططات ومبررات التدخل في شؤونها وهذا ما تهدف إليه الحملة الإعلامية الأخيرة ضد اليمن. وإن كان هذا لا يعني أن نحمّل الجهات الخارجية المسؤولية الكاملة فيما يحدث وإنما يجب علينا أن نعترف بوجود مشاكل وأخطاء نحن اليمنيين نصنعها بأنفسنا ونحن الأقدر على معالجتها من خلال الحوار والتفاهم بين كل الأطراف المعنية سواء كانت أحزاباً سياسية أوشخصيات اجتماعية مؤثرة، لكن ما يجب أن نؤكد عليه رغم وجود المشاكل وبعض القضايا العالقة هو أننا أفضل من غيرنا على الأقل في محيطنا الاقليمي، فالجميع هنا يُشارك في الحياة السياسية ويتمتع بكل الامتيازات والصلاحيات والحقوق الأمر الذي يعلق عليه أبناء الشعب اليمني أملهم في أن كل الفئات ستعمل على تحقيق شراكة منتجة تعزز المكاسب الوطنية والوقوف وقفة جادة ضد من يتآمرون على وحدة الوطن وثورته ويزرعون الألغام في طريقها مستندين على حسابات خاطئة اصطدمت بإرادة شعبية صلبة منعتهم من أن ينفذوا مخططهم الخطير وهو ما اضطرهم للاستعانة بالخارج والارتماء في أحضان جهات لا تحب الخير لليمن . وعندما عجزوا عن تحقيق أهدافهم الشريرة لجأوا إلى تشويه سمعة اليمن من خلال شنّ حملة اعلامية ظالمة عليها تخصصت في قلب الحقائق رأساً على عقب، وهم يعلمون مسبقاً أنهم سيفشلون كما هو ديدنهم دائماً.. غير مدركين أن المستقرئ للتاريخ اليمني في مختلف الحقب والعصور بنوع من الحصافة والعقلانية، يدرك أن انفراط عقد المحاولات المتصلة لتوحيد اليمن أرضاً وإنساناً كان ينسحب دائماً وبالاً وكوارث تطال عامة الشعب، حكاماً ومحكومين. ويقيناً إن الوحدة اليمنية المعاصرة تشكل حلقة متفردة وذات أكثر من خصوصية في تاريخ اليمن الراهن لكونها تمخضت عن إرادة شعبية وطموح جماهيري قبل أن تكون إرادة سياسية فوقية أو قرارات سلطوية يكون الشعب فيها رقماً مفقوداً.. ولذا فإن مجرد التفكير في فض هذا الاجماع التاريخي والوطني بحجة ما لحق أبناء الشعب اليمني من ظلم واستبداد نتيجة لسوء إدارة دولة الوحدة والنكوص نحو أشكال التفرق والتشرذم والتشطير سيكون خيانة وطنية وتاريخية يدفع ثمنها الجميع عاجلاً أم أجلاً.. ويكفي أن نشير إلى أن مجرد وجود أزمة سياسية قد ألحق الضرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالبلاد.. فما بالنا بما تترتب عليه عودة البلاد إلى عهود الردة والانفصال.. وهوما يؤكد أن التفكير في غير الوحدة تحت أي ذريعة كانت يعد انتكاسة وكارثة لليمن لا سمح الله ونصراً لأعداء اليمن المتحينين الفرص دائما،ً حيث يختارون الوقت المناسب ليضربوا ضربتهم من خلال المندسين بين صفوفنا الذين هانت قيمهم وأخلاقهم وكرامتهم أمام مغريات الصفقات المادية المشبوهة مستغلين أي خلاف يحدث بين أبناء الشعب اليمني الواحد فيوعزون إلى عملائهم في الداخل، وما أكثر من يتجاوب معهم للأسف الشديد، لتغذية أي خلاف يحدث وتجييره لمصلحة أعداء الشعب اليمني وثورته ووحدته وإجهاض تحقيق تطلّعاته. [email protected]