لدينا تجربة لابأس بها في الحوار والتفاهمات والصبر وتحمّل بعضنا البعض وتقديم التنازلات ، لدينا تاريخ طويل من التعايش والتسامح وتجاوز المخاطر ، مهما كانت حدتها ، لكن ما يجري اليوم من تداعيات وتباعد وتأزيم للأوضاع يجعل المراقب ينكرعلينا ذلك تماماً ويتعاطى معنا من زاوية ومفهوم آخرين . يجب أن تكون التحديات والأزمات بمثابة محرّك ومشجع لنا لتجاوزها ، ويجب أن تكون مواجهة التحدي بتحد أكبر ، ليس بالبندقية وحفر الخنادق ،وحدة النقاشات والخطابات فيما بيننا، وإنما من خلال الإرادات والتماسك الوطني والمسؤلية وإستعادة بوصلة الحوارات والنقاشات الجادة والصادقة ، بثقة وحُسن ظن وتطمينات حقيقية ومواكبة للأحداث، دون أن نذهب بإتجاه المجهول ونقامر في المضي نحو اللامعقول واللامقبول واللامفهوم .. أعتقد إن أكبر معضلة تواجهنا اليوم هي غياب الثقة وسيطرة الأحكام المسبقة والإعلام والتأثيرات الخارجية على أذهان الكثيروعلى مجمل الأوضاع السياسية وربما على القرار ، وهذا في الواقع مقدور عليه إذاما أخلص الجميع للقضية الوطنية وتيقّنوا إنهم أمام مصير مشترك لا يستثني أحداً وإن المزيد من القطيعة وعدم الثقة وتعليق الحوار يصبّ الزيت على النار ويدفع في إتجاه اللاعودة للحوار والتسوية السياسية بأدواتها السلمية والحضارية والديمقراطية والوطنية .. صحيح إن الاختلافات في وجهات النظر والتباين والمصالح بين الناس طبيعة بشرية ، لكن لايفترض أن يتعدى ذلك إلى التضحية والمجازفة بالبلاد والأمن وحياة الناس وتهديد الكيان الوطني والوحدة والتعاييش ..كثير من القوى السياسية في كل دول العالم بمافيها كبريات الدول الديمقراطية، تختلف فيما بينها ، لكنها حينما تحسّ إن الأمر تجاوز الخلافات السياسية المحدودة وبدأ يُؤثر على الوطن وأمنه ومصالحه العليا سُرعان ما تجد الجميع يلتف حول الوطن ولقضاياه الكبرى، ومباشرة يجدون الحلول للخروج برؤى وطنية ومبادىء مشتركة بأقل الخسائر ودون أن يؤثر ذلك على المستقبل والتنافسات السياسية وعلى نفوس الناس ومصالحهم. لا يُفترض أن يكون نقل الحوار من صنعاء أو بقائه فيها معضلة كبيرة ومشكلة يصعب حلّها، الأمر هذا ليس كما يصوره البعض وهو سهل ، شريطة أن تخلص النوايا وينزل الجميع من الأبراج العاجية ويفهموا طبيعة الحال ،وأبعاد ما يجري وخطورة الاستمرار في هذا الطريق الشائك، وما سيجلبه لنا العناد الزائد من تناسل وتوالد خلافات وتحديات جديدة مع كل ساعة تمرّ ونحن على هذه الشاكلة . الجميع اليوم تقريباً يلعبون في آخر دقيقة للوقت الأصلي من المبارة ويبقى فقط دقائق معدودة من الوقت بدل الضائع المحتسب للمبارة والمناورة ، وهنا يتوجب علينا أن نُحسن استغلالها ، ونأخذ العبرة من كثير من المباريات التي تُحسم في الأوقات الاضافية ويتم من خلالها معانقة الكؤس وتسجيل الإنتصارات الكبيرة ، لكن بشرط أن يكون الفريق متجانسا وعلى قلب رجل واحد يمتلك الطموح في الفوز وتحقيق الإنتصار ، الإنتصار على الخصم ، المتمثل - بالنسبة لنا - بغياب الثقة والنزعات الذاتية والأطماع وتصفية الحسابات والتأثيرات الخارجية التي ينظر إليها البعض بأنها تعقد العملية السياسية أكثر من كونها تكون عامل حل .. من طرفي أعتقد إن استعداء الخارج - وكما سبق وأن كتبت - غير منطقي ، الخارج نحن بحاجة له وخاصة الإقليم ، مصلحتنا تقول إننا يجب أن نحافظ على العلاقات ونعززها مع الدول الاقليمية من عربية وغيرها وخاصة دول الجزيرة والخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، وبالتالي لابد من أن يفكر البعض أكثر في هذا الجانب ويدرك أبعاد القطيعة مع أهم الأشقاء والأصدقاء ومدى التأثيرالمباشر في هذا الجانب على أوضاعنا الاقتصادية والسياسية والأمنية ، ونقول هذا الكلام ، طبعاً، من واقع تجربة ومنطق ، بعيدا عن العواطف والشعارات .. الصراعات الجانبية والمعلنة والمخفية والمؤدلجة والمناطقية ستغرقنا بالفوضى وستعصف بنا تماما على مختلف المستويات ولن يكون هناك منتصراً أبداً ، وسيخسرالجميع وفي مقدمة الخاسرين الوطن ووحدته وقوت أبنائه وحياتهم ومستقبلهم . لاخيار لنا إلا أن نستعيد بوصلة الحوار والثقة والأمل والبحث عن حلول مرضية ، على أن تكون يمنية 100في المائة.! [email protected]