عدم اليقين بخيرية الصلح وبما في الحوار من إمكانات ورؤى مثمرة لحسم الخلاف هي حالة تنتمي إلى الوهم السياسي الذي ينتج أصحابه تصورات وقراءات غير موضوعية وحسابات خاطئة, ويمضون في ترسيخها مبادئ وموجهات للعمل السياسي وعلاقة الذات مع الآخر, فيظل الواقع المأزوم يراوح مكانه؛ لأن السياسي في هذه الحالة يكون بدون خيال .. ولا نجاح للحوار ولا حلول إلا بوجود الخيال السياسي الذي يبدع صاحبه في رسم طرق متعددة للخلاص والمعالجات ومغادرة مرحلة الصراع وإنتاج مواقف تصالحية مع الآخرين .. مستشرفاً المستقبل ومتحرراً من كل قيود الأفكار المتمركزة حول الأنا, والمحرضة على إدارة العلاقات بالصراع والإسراع إلى صناعة الخطأ بوصفه حلاً وحيدًا, من منطلق المثل القائل: (إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب). الخيال السياسي لا علاقة له بذهنيات نمطية ليس لديها وعي بأن الحوار فترة زمنية محددة يجري فيها رسم خارطة للحل. والدخول في (حوار يفرز حلولاً يرتضيها الجميع) معناه الاستعداد للتنازل وإيقاف عجلة الأحداث والأخطاء التي تزيد في تعقيد المشكلة, وهذه الحالة تنم عن وجود الخيال السياسي الذي يرتاد به السياسيون عوالم من الأحلام والتطلعات المستقبلية الممكنة التحقيق. والخيال السياسي ثراء في الرؤى المنشغلة بكيفية الانسجام مع الآخر والقبول به شريكًا له وزن وله قيمة سياسية.. وليس استهلاك التفكير في كيفية تغييبه أو احتوائه أو تصور أن الحياة لا يمكن أن تتقدم إلا بمحوه. إن استقرار الأوطان مرتبط دائمًا بالخيال السياسي لدى جميع الأطراف التي تحترف إدارة الخلاف وإنجاح تنفيذ خطط الحلول.. ووحده الوهم السياسي من يرتبط بأسلوب المناورات وخلق العراقيل أمام الحلول؛ لأن من يتملّكه الوهم تصغر في عينه كل الأفكار إلا فكرته التي يرى أن الحل لن يكون إلا من خلالها. نحتاج أن ندرك ذلك ليكون الخيال لا الوهم هو المسؤول اليوم عن طرح فرضيات الحلول في حوار ينبغي أن يكون له خطة زمنية للخروج بحلول تنجح في إعادة الحياة إلى طبيعتها. فهل أدركنا ذلك؟! [email protected]