في زمن الحرب ثمة أحزان على أرصفة الشوارع وخلف الأبواب المغلقة على أهلها، وثمة حزن أشد وأنكى حين تُشاهد تلك الأحزان بعينك، وحين تسمع الآهات التي تخرج من الصدور ساخنة ثم لا تجد من يحسّ بأصحابها. لا أتحدث عن الأحزان الناجمة عن القتل والخراب والدمار، فهذه أحزان لا تُعد ولا تُحصى ولا تُوصف بكلمات عابرة. أتحدّث هنا عن أحزان البسطاء والمساكين في هذا البلد، الناس الذين ضاقت بهم سُبل العيش وتعاظمت حاجتهم في ظل أزمات تخلّلتها حروب وأعقبتها حربٌ لا تستثني شيئاً.. حربٌ يراها البعض خيراً في لحظات تصفية حسابات مع خصوم لهم، وهي تنطوي على شر ليس كمثله شر. حربٌ يرقصون لها وعلى دوي القذائف والمتفجرات التي تنسف البنيان والأمن والأمان، وتقتل الإنسان وتحرق الزرع والأرض. على رصيف أحد الشوارع تجمّع عددٌ من العمال بأدواتهم بانتظار من يأتي يبحث عن عامل أو أكثر.. انتظار أحسب أنه سيطول كثيراً وقد طال من قبل، ففي زمن الحرب توقفت الأعمال وساد الركود في الحياة العامة، فلا أعمال ولا بناء ولا تشييد، وحده الدمار يستشري على جغرافيا البلد مثلما يستشري في النفوس وفي التركيبة السكانية والمجتمعية. سألت نفسي ماذا ينتظر هؤلاء في وقت كهذا والحرب تتسع براً وبحراً وجوّاً؟، فجاء الجواب سريعاً ليشعل في نفسي رغبة جامحة للبكاء على هذا الوطن أرضاً وإنساناً.. إنها الحاجة التي دفعت بهؤلاء المساكين ليخرجوا إلى الشارع في لحظات الحرب واشتداد العدوان هنا في صنعاء وفي كل المدن. خرجوا بحثاً عن فرصة عمل ليسدوا بها حاجة اليوم، والأيام كلها حاجات واحتياجات. لست أدري كيف يمكن أن تكون هذه الحرب لمصلحة الشعب المثقل بالأسى والمتاعب؟، ومتى كانت الحرب فيها مصلحة لإنسان؟، لماذا يكذبون علينا هكذا، وهل كُتب علينا أن نصدّقهم لأن البعض منا يرى في الحرب مصلحة له وهم خاسرون بلا شك، وسوف تتضح الخسارة ولو بعد حين؟. الحرب فيما بيننا جريمة والحرب علينا جميعاً جريمة، والحرب من هذا النوع كلها جرائم، فلماذا نرضى بالجرائم بيننا وعلينا؟، ألا يمكن أن نتدارك أنفسنا ونتدارك وطننا ونخرج من هذه المحرقة التي يُراد لها أن تحرقنا جميعاً سواء بأيدينا أو بأيدي من نسميهم أشقاء وأصدقاء. لا تُراهنوا على أحد ليعمل من أجل مصلحتكم ولو بدا لكم أنه يفعل ذلك، ولو كان شقيقاً أو صديقاً، فالحسابات تختلف والأهداف فيها ما هو ظاهرٌ وما هو خفي، فاحذروا ما خفي من الأهداف، وأصلحوا ذات بينكم يا من تجمعكم الشراكة في الوطن والشراكة في المصير. [email protected]