ثمة متغيرات كثيرة تطبع رمضان هذا العام بطابع آخر يتمثل في جملة مظاهر منها ما هو منطقي يصب في مصلحة الإنسان ومنها ما هو غير منطقي نأسف جميعاً لوجوده والأسباب التي فرضته ونعتب على من يكرسه غير مستشعر لخصوصية هذا الشهر الفضيل، وهناك نوع ثالث لم يلتفت أحدٌ إليه لأنه غائب عن الأعين ولذا فقد تناساه الناس. ولنبدأ بما هو منطقي ويصب في مصلحة المواطن ويتمثل في عودة البسطات والباعة المتجولين لافتراش الأرصفة في هذا الموسم الرمضاني.. وهو في الحقيقة مظهر إيجابي إذا لم يتسبب في إغلاق الطريق وتأزيم حركة السير، نقول ذلك لأن الوطن في هذه الأزمة يمر بضائقة اقتصادية ويشهد أعنف موجة ارتفاع في أسعار المواد الغذائية وأجور المواصلات، ثم إن احتكار المواد النفطية من قبل البعض وظهور سوق سوداء كان له الأثر الكبير في تسريح كثير من الأيدي العاملة وتوقف بعض المعامل والمناشط التجارية والحرفية وغير ذلك، وهذا خلق كما هو مشاهد ولا ينكره أحد بطالة جديدة إلى البطالة الموجودة وزاد في معدلات الفقر في وضع صعب لم تمر به البلاد من قبل، ولهذا كله يصبح أحسن شيء وأجمل أن نحب حركة السوق متوهجة والناس من الشباب الفقراء والذين لا أعمال لهم يسترزقون من الكسب الحلال في موسم الخير العميم، ونحن نقول بصريح العبارة: ليس من حق أي إنسان أو جهة أن يعترضهم أو يقلقهم وهم يواجهون اليوم مصاعب الحياة ومشاقها في ظرف صعب جداً.. لكن يبقى الحق محفوظاً لإدارة المرور ممثلة برجالها وآلياتها بأن تنظم حركة السير وتوجه هؤلاء المفترشين إلى أماكن التواجد الصحيح، ومنع كل من يقتحم وسط الشارع ليغلق الطريق لأن في مثل هذا الفعل إلغاء لحق الآخر في المرور بسهولة، وأخذ الحق لا ينبغي أن يكون على حساب إلغاء حق الآخرين. أما ما هو غير عقلاني وغير منطقي فهو أن يشارك مدفع رمضان التاريخي أصواتُ مدافع أخرى بعد خرق سافر للتهدئة التي كنا نأمل أن يكون مجيُء رمضان سبباً في جعلها تهدئة دائمة نشهد في ظلها هدوءاً يحقن الدم اليمني ويصلح أحوال أبنائه ويحنبّهم الانزلاق إلى هاوية الاقتتال.. ولكن للأسف تبدد كل ما حلمنا به فها هو رمضان وها هي أصوات الحرب!!. هذا ما نلمس حضوره في رمضان هذا العام، وأما ما غاب عن الأعين في هذه الأيام الأولى من رمضان فهو كثير من الموائد الرمضانية التي كان بعضهم يقيمها لذوي الحاجة من الفقراء والمساكين، وأكبر الظن أن قساوة الظروف هي سبب ذلك، وهي أيضاً سبب تناسي الناس في هذا الشهر لاسيما المثقفون والكتاب ورجال الصحافة أن يلتزموا ما كانوا عليه في أعوام سابقة من إرشاد رجال الخير إلى من يستحق العون أو بحاجة إلى الإنقاذ كالمرضى والغارمين وغيرهم.. فعلى سبيل المثال لكن لبعض الزملاء في صحيفة “الجمهورية” جهود خيرية لمسها الجميع وبلغ نفعها أسراً كثيرة محتاجة تعاني المرض أو الإعاقة مع ضيق ذات اليد، فكان صفحات “ليلة القدر” بريداً خيرياً يجسد عظمة رمضان في نفوس هؤلاء الزملاء وحبهم لمساعدة الناس وإيصال أصواتهم إلى أهل الخير.. وما نتمناه هو أن يعود ولو جزء من ذلك الاهتمام وإن كان ذلك برغم تأزم الواقع وقساوة العيش واشتداد نوازل الفقر على الجميع.. فأصحاب الحاجة بالانتظار في شهر الرحمة والخير.