صحيح إن عاصفة ما يُسمى ب “الحزم” قد تُدمّر الجسور ومدارج المطارات والطائرات العسكرية، وحتّى المدنية كما حصل في مطار عدن، وقد تُدمّر - أيضاً - منظومة الدفاعات الجوية والبُنى التحية وتوقّف التعليم في المدارس والجامعات، وقد تُؤدّي إلى انعدام المشتقات النفطية والمواد الغذائية وتمنع دخولها إلى البلاد، وقد تتسبّب بكوارث إنسانية وجرائم وموت جماعي؛ إمّا نتيجة لصواريخها التي تحرق وتدمر المدن والمصانع، وإما نتيجة لسوء التغذية والجوع والأمراض وغيرها، لكنها لن تغيّر أي شيء إيجابي في المعادلة السياسية والصراع القائم على الأرض، بل على العكس ستزيد منه ومن الأحقاد العابرة للحدود، وستزيد من مشاهد الخراب والدمار والبؤس وارتفاع أعداد الشباب المنضمين إلى معسكرات الأطراف المختلفة، وسيكتشف التحالف وغير التحالف أننا في الأول والأخير بحاجة لطاولة الحوار وليس هناك من حلّ سحريّ إلا عبرها. الواقع يقول إن النتائج الأولية ل “العاصفة” قد زادت من مشقّة ومعاناة الناس وخوفهم من المجهول الذي صار يملأ أفكارهم ونفوسهم، وزادت من الخسائر المادّية والبشرية وأسباب التباعد والخلاف، وإذا كان هناك من يهمه ثقة الناس وأهمية مواقفهم وأحكامهم لما يجري؛ فإن نسبة كبيرة منهم صاروا يحمّلون المسؤولية ويلقون باللوم بصورة مباشرة على دول التحالف العربي بقيادة السعودية، خاصة مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وانعدام المشتقات النفطية وغياب السلع الأساسية من السوق وارتفاع أسعارها بمقدار الضعف خاصة في المناطق الريفية التي تغيب فيها الرقابة. مهما كانت أخطاء جماعة «أنصار الله» وممارساتهم السلبية، ومهما كانت الأوضاع قد استاءت في البلاد بعد سيطرتهم على صنعاء وبعض المدن والمحافظات التي وقعت تحت أيديهم والمظالم التي نُسبت إليهم، فيلا يُقارن ذلك الحال بما وصلت إليه الأحوال اليوم، ولا يُبرر- أيضاً - ما يجري من قتل وخوف وذهول وانهيار للخدمات وتدمير للمنشآت وحياة الناس التي صارت أكثر صعوبة وتحطّماً منذ بدء غارات وقصف دول التحالف العربي، ناهيك عن الأطراف المستفيدة من هذه العاصفة، وفي مقدّمتها العناصر الإرهابية التي ستتوسّع في البلد والمنطقة بأريحية تامة بسبب ضرب مواقع وألوية الجيش في مأرب وشبوة ولحج وعدن والمكلا وسيئون والبيضاء وإب وصنعاء وصعدة والحديدة وغيرها، إضافة إلى استقطاب مقاتلين جُدد لصفوف التنظيم تحت مسمّيات عدّة كمحاربة «الروافض- أمريكا- إسرائيل» وغيرها. اليمن والمنطقة العربية عامّة ليسوا بحاجة لقذائف عاصفة الحزم وصواريخ كروز ومناطق حظر جوي وبحري وبرّي بقدر ما تحتاج إلى المبادرات الإنسانية والقومية الحريصة على تعايش واستقرار ونهضة الشعوب، ولا تحتاج - أيضاً - إلى صواريخ أرض - أرض بقدر ما تحتاج لقذائف سلام ومحبّة تُقذف في سماء الفكر والثقافة والأمل، بعيداً عن أوهام ومطامع السيطرة والميل والرغبة والطائفية، فبالحوار والإيمان بالآخر وتقديم التنازلات ووجود الثقة يمكن للجميع أن يأخذوا ما يريدون عشرات المرّات مما يمكن أن تجلبه لهم الحروب والمعارك والعنف وتدخُّلات الخارج. بقي أن أضيف وأقول: يجب الإشارة والتنويه إلى أن اليمن تنتابها عِلل كثيرة وتخترمها كل الأسباب التي تقود إلى الفوضى والانفلات والحروب والتفكك وخلق العدوات على مستوى الداخل والخارج، وينبغي الإشارة - أيضاً - إلى أن الحالة اليمنية لها خصوصية مختلفة ثقافية واجتماعية وسياسية وجغرافية واقتصادية وأمنية وغيرها، ولعل الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي تطوّرت مؤخراً ومعها المكاسب الضخمة التي تحقّقت للتنظيمات الإرهابية على الأرض اليمنية والتي سيكتوي بها الخارج والداخل على حد سواء، أحد أهم تلك النتائج للحالة والخصوصية اليمنية التي تحتاج إلى قدر كبير من الحكمة والتركيز وتقديم التنازلات والمبادرات غير المنحازة إلى أحد، المبادرات الحيّة القابلة للتنفيذ والاستمرار والحياة. [email protected]