- د/جميل حميد الاشول ..في البدء أود الاشارة إلى أن الجامعة كصرح علمي تلعب دوراً متميزاً في تنمية المجتمع وتطويره في كافة المجالات ، وهذا الدور يضهر في نوعية العمل الذي تؤديه الجامعة ، واسلوب نشاطها ، وطريقة ادائها لواجباتها ، وفي هذا الصدد يجب أن نفرق بين ماهو كائن وماهو ممكن ، مابين الواقع والمأمول ، ففي كثير من الأحيان وفي كثير من الجامعات نجد أن مايحصل في الواقع من أنشطة بعض الجامعات لايعبر عن دور الجامعة الحقيقي في تنمية المجتمع ، ولايعبر عن الدور المأمول منها في الأرتقاء بالمجتمع من حالة التخلف إلى حالة التقدم المادي والمعنوي. وطالما أن بلادنا تعد من الدول السائرة في درب التنمية وتحاول أن تضع نفسها موطئ قدم اسخ بين الدول النامية ، فإن موضوع الدور الذي يجب أن تلعبه الجامعة في تنمية المجتمع اليمني يعد من الموضوعات التي يجب تناولها بالنقاش والبحث والتحليل في المنتديات العلمية والصحف والمجلات ، وفي حلقات العلم والنقاش لكي نستطيع أن نتعرف على حقيقة الدور الذي تؤديه الجامعة اليمنية باعتبارها من المؤسسات التي يجب أن تضطلع بدور متميز في مسيرة التنمية ، وفي هذا الصدد أدعو الأخوة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات اليمنية وكل المختصين في مجال التعليم الجامعي ، وكذلك الأخوة الباحثين في مجال التنمية البشرية في القطاعين الحكومي والخاص أن يتناولوا هذا الموضوع مناقشة وبحثاً وتحليلاً ، ويدلوا بآرائهم لكي تستفيد منها الجامعات اليمنية في تصحيح وضعها ودورها التنموي ، وتضع يدها على مكامن الخلل والقصور في نشاطها لتتجاوزها نحو الأفضل. إن التعليم والتعليم الجامعي بشكل خاص يعد من المؤشرات المهمة التي تدخل في قياس درجة التنمية التي وصلتها أيه دولة في العالم. إن الجمهورية اليمنية كدولة نامية تحتاج إلى مرتكزات اساسية للوصول إلى مصاف الدول النامية منها توفر قدر مناسب من رأس المال المادي لتنشيط الاقتصاد وبناء مشروعات التنمية ، وتوفر قدراً مناسباً من التقنية الحديثة ، وبجانب ذلك توفر كوادر كفؤءه ومؤهلة لإدارة الاقتصاد الوطني وتسيير عجلة التنمية وهذا يعني أن أي نجاح تنموي لن يتحقق بدون الاستثمار في رأس المال البشري وإعداد الخطط الملائمة لتحقيق التنمية البشرية ، وتعتبر الجامعات والمعاهد الفنية والمتخصصة هي الأساس لتحقيق التنمية البشرية وتعني التنمية عملية تغيير مستمر في مجالات المعرفة والاقتصاد والسياسة وغيرها من المجالات بما يؤدي إلى تحول المجتمع من طور إلى طور أفضل تزداد بموجبه دخول الأفراد وترتفع مستوياتهم المعيشية ويزداد حجم وعدد السلع والخدمات المنتجة محلياً وتزداد معرفة المجتمع ودرجة وعية السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي فضلاً عن انخفاض نسبة الأمية في المجتمع. وإذا كان الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها في الوقت نفسه فهذا يعني أنه يجب البدء بالتنمية البشرية كمقدمة لتحقيق التنمية في جوانبها المادية ، لأن الإنسان الكفؤ والمؤهل علمياً هو الأقدر على التفاعل مع متطلبات التنمية والمشاركة فيها بكفاءة واقتدار عاليين على عكس الإنسان غير المؤهل ، لذلك يجب ايلاء العنصر البشري أهمية كبرى وإعداده وتعليمه وتدريبه بهدف رفع كفاءته وتأهيله للمشاركة في التنمية بفعالية وكفاءة عالية. ومثلما هو الحال في السلع حيث سيتم انتاجها في المصانع فإن كفاءة وقدرات الإنسان تنتج كذلك في مصانع تسمى الجامعات ، فالجامعات هي مصانع الكفاءات ومصدر التقدم العلمي ومخاض الأفكار المستنيرة. إن نهضة الأمم تبنى بالعلم والمعرفة ، والجامعة هي مصنع العقول التي تنتج الرؤى والأفكار وتنتج الابتكارات والاختراعات التي تفيد الأمم والمجتمعات الإنسانية جمعاء. إن الجامعة هي مكان المعرفة ومعمل الخبرات والتجارب العلمية ومستودع الحلول لكثير من مشاكل المجتمع ، وهذا يعني أن الجامعة تقف على رأس الهرم الثقافي للمجتمع ، مما يؤهلها لكي تلعب ادواراً مهمة في الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمع ، ويعتبر اسهام الجامعة في ميدان التنمية من أهم الأدوار التي تلعبها في حياة المجتمع. إن الجامعة لكي تستطيع أن تقدم خدمات جليلة ونافعة للمجتمع يجب أن يكون لها خطط وبرامج وسياسات تعمل على تنفيذها ، وينبغي أن تكون على علاقة وتواصل مستمر مع المجتمع المحيط بها ، تتبنى مشاكله وهمومه ، وتبحث عن حلول ملائمة لها. وتبحث في السبل الممكنة لتنميته وتطويره في مختلف المجالات ، وهذا يعني أن على الجامعة أن تنزل من برجها العاجي وتخاطب المجتمع ومؤسساته بلغة العلم والبحث العلمي. إن على الجامعة أن تؤدي ثلاث مهام أساسية في مجال التنمية هي: 1 مهمة التعليم والتأهيل 2 مهمة البحث العلمي 3 مهمة خدمة المجتمع 1 التعليم والتأهيل: يعد التأهيل وإعداد المهارات هو الدور التقليدي للجامعة تؤديه عن طريق تكوين عقل الطلاب والباحثين وتطوير معارفهم ومدهم بالمعلومات التي يحتاجونها في حياتهم الاجتماعية والعملية ، وقد قامت الجامعات اليمنية بإعداد وتأهيل أعداد كبيرة من الكوادر واخراجهم للعمل في ميدان العمل وإدارة عجلة التنمية في المجتمع ، وفي ظل غياب اهداف واضحة للجامعة مرتبطة متطلبات التنمية اقتصر التأهيل على برامج نظرية وجهت نحو جوانب المعرفة التقليدية ومع قلة الوسائل التعليمية في الجامعات اليمنية وضعت المستوى التعليمي فيها وميل عملية التأهيل فيها على الجوانب النظرية انخفض دور الجامعة في المجتمع وانعزلت عن واقعها الاجتماعي وأصبح خريجوها يواجهون مشكلة عدم القدرة على الاندماج والتأقلم مع سوق العمل ، ثم أصبحوا يمثلون بطالة سافرة تتزايد في المجتمع بصورة مستمرة. وبهذا العدد يجب الاعتراف بوجود بعض التباين بين خطط وسياسات الجامعة وبين سياسات التنمية ، بين البرامج التعليمية والمناهج الدراسية للجامعات وبين متطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل في البلاد ، وعلى القائمين على أمور الجامعة أن يعملوا على تلمس احتياجات التنمية الشاملة في البلاد ، واعداد مايلائم ذلك من كوادر بشرية ، بحيث يجب أن يحصل نوع من التناغم بين احتياجات التنمية البشرية واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى لاتساهم الجامعة من رفع مستوى البطالة في المجتمع وتخرج كوادر بشرية لايحتاجها سوق العمل ، ويصبحون مجرد صفر على الشمال في سوق العمل اليمني. أما مهمة البحث العلمي فهي مهمة أساسية يجب أن تقوم بها الجامعة لتطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية للأفراد والاسهام في حل قضايا التنمية ومشاكلها. أما مهمة خدمة المجتمع فهي من المهام الأساسية التي يجب أن تؤديها الجامعة الحديثة ، فلا يكفي أن تقوم الجامعة بمهام التعليم والبحث العلمي بل يجب عليها أن تتغلغل في أوساط المجتمع وتقدم خدمات التدريب والتعليم المستمر لأفراد المجتمع ، وتقدم لرجال الأعمال والمستثمرين خدمات الاستشارات ودراسات الجدوى للأسهام في إنجاح المشروعات الاستثمارية وجعلها اكثر قدرة على تحقيق النمو والربحية ، كما يجب عليها أن تقوم بالمشاركة في نقل وتوطين التكنولوجيا المتطورة إلى الاقتصاد وتهيئة الابتكارات والاختراعات ورعاية العلماء والمبدعين. إن الجامعة جزء مهم في تكوين المجتمع ، ولامناص من أن تتأثر بهذا المجتمع وتؤثر فيه ، وإذا أريد لها أن تؤدي دوراً مؤثراً في المجتمع وداعماً للتنمية فيه فيجب أن ينظر للأمر من منظور استراتيجي حتى لايحصل تباين بين احتياجات التنمية من الكوادر البشرية المؤهلة وبين مخرجات الجامعة من هذه الكوادر ، وهذه الاستراتيجية يجب أن تكون شاملة لكافة المجتمع ومتطلباته المادية والبشرية من حيث الكم والنوع وإلا فإن التنمية المادية للاقتصاد والمجتمع ستسير في اتجاه والتنمية البشرية ستسير في اتجاه آخر. إن ربط الاعداد والتأهيل الجامعي باحتياجات التنمية أصبح ضرورة ملحة ، وهذا يستلزم ضرورة تحديد نموذج التنمية المطلوبة تنفيذه من جهة وتكثيف البرامج التعليمية في الجامعات لخدمة التنمية من جهة أخرى ويجب أن تضع الجامعة في برامجها تواصل واستمرارية التأهيل والتدريب ، وأن تكون الجامعة بالفعل همزة الوصل بين مكونات المجتمع وقطاعاته الاقتصادية والاجتماعية وبين ميادين العلم والمعرفة وتكنولوجيا المعلومات التي أصبحت تتطور بشكل متسارع. إن دول العالم النامي ومنها بلادنا لاتزال بعيدة عما يجري في ميدان العلوم والتكنولوجيا وتعاني من تخلف اقتصادي وتأخر تقني على الرغم مما تزخر به من موارد وامكانات مادية وبشرية ، لذلك يجب التعويل على العنصر البشري المؤهل في توفير التقنية الحديثة للمجتمع واستغلال الموارد المتاحة بصورة مثلى بهدف احداث نقلة تنموية نوعية في المجتمع. إن الأمم في الألفية الثالثة يعد الميلاد وفي ظل تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية واتجاهها نحو العولمة ، وتحول الثقافة الإنسانية وتطور التقنية العصرية أصبحت لاتقاس بماضيها التاريخي أو بمساحتها الجغرافية ، أو بما تمتلكه من مواد حالية ومواد أولية بل تقاس بما تمتلكه من قدرات علمية ومعارف وتقنيات ذات فائدة في ميدان التنمية الشاملة ، فامتلاك المعرفة هو سمه العصر ، ومن يمتلك المعرفة وبخاصة المعرفة التطبيقية يملك السيطرة على التنمية ويمتلك مفاتيح التطور والنهوض في مختلف المجالات. إن ازدياد وعدد الجامعات في اليمن وتوسع تخصصاتها يدل على أن البلاد تتجه نحو نهضة علمية ومعرفية تسهم في تنمية المجتمع وتطويره في بقية جوانب المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، ومع ذلك فإن هذا الكم من الجامعات قد لايعني شيئاً إذا لم يصاحبها عناصر ثلاثة تخطيط تعليمي وبناء اكاديمي وانفتاح على المجتمع ، ويجب على الجامعات أن لاتعيش في ابراج عاجية وتكتفي بعملية التأهيل ومنح الشهادات الجامعية لأن مهمتها اكبر من ذلك ، فالتأهيل هو جزء من مهمة الجامعة وهناك مهمة أخرى منوطة بالجامعة يتناساها القائمون على أمور الجامعات في اليمن سواء الحكومية منها أو الخاصة ، وهي التفاعل مع المجتمع والعمل على تنميته وتطويره وإعداد ونشر الابتكارات والاختراعات العلمية ، وصقل وتدريب الكوادر البشرية التي يحتاجها سوق العمل اليمني وبحث القضايا والمشكلات التي تهم المجتمع اليمني في مختلف مجالات الحياة ، وإذا ماقامت الجامعة بأداء هذه المهام على الوجه الأكمل فإن هناك تحسناً سيطر على المجتمع في شتى المجالات وسيحصل تغيراً كبيراً على حياة المجتمع ، يقوده العلماء والمبدعون من اساتذة الجامعات ومخرجاتها. إن التأهيل الجامعي المرتبط بالتنمية غالباً لايقتصر بإعداد الطالب بقصد ادماجه في الحياة العملية فحسب بل يتعداه إلى إعداد ثقافي وسياسي وتطوير فكري نتيجة نظام الدراسة في الجامعة بما يؤدي إلى تخريج طالب مثقف يمتلك النقد والتقييم والابتكار ذا فائدة للمجتمع ويشارك في التنمية باقتدار وفعالية. إن هذا الإعداد العلمي المتكامل امر ضروري لتطوير المجتمع وتنميته في مختلف المجالات. ولذلك نعود للقول أن الجامعة بأدوارها وموقعها المتميز في المجتمع وبما تمتلكه من علماء ومبدعين يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في ميدان التنمية وتقود إلى تطوير المجتمع وتقدمه ، أما إذا لم تستطع أن تلعب هذا الدور التنموي فإنها ستسهم في تكريس واقع التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، والتأخر العلمي والحضاري ، فهل تستطيع الجامعات اليمنية أن تلعب ادوار متميزة في تنمية المجتمع وفي دعم تطوره ونموه العلمي والثقافي وتنميته الاقتصادية والاجتماعية أم أنها ستكتفي بواجباتها التأهيلية تاركة مهامها الأخرى إلى من تتوفر لديها الامكانات اللازمة لذلك ، وإلى ذلك الحين سيظل التأهيل هو السمة الرئيسية للجامعات اليمنية. إن الجامعات اليمنية تستطيع بالفعل أن تلعب أدواراً مهمة في التنمية الشاملة وتحقق التغير المطلوب في المجتمع على كافة الأصعدة ، وهي قادرة على تجسيد مطامح المجتمع في التطور والتنمية ، وذلك من خلال ثلاثة عناصر ريئسية وهي : 1 التأهيل النوعي الجيد للموارد البشرية بما يواكب احتياجات التنمية. 2 تفعيل البحث العلمي وتحفيز الباحثين على إعداد البحوث التطبيقية التي تخدم التنمية بمجالاتها المختلفة ، وتخليص البحث العلمي من براثن الروتين والبيروقراطية الرسمية ، ومضاعفة ميزانية البحث العلمي التي هي في الوقت الراهن لاتلبي طموحات البحث العلمي وتطلعات الباحثين ، مما يجعلها عاملاً محبطاً لتطوير البحث العلمي ومعرقلاً للتنمية. 3 تبني قضايا ومشاكل المجتمع بقطاعاته المختلفة والعمل على حلها وتوطيد الصلة بين الجامعة والمجتمع بما يؤدي إلى جعل الجامعة معملاً لانتاج الحلول لقضايا ومشاكل المجتمع.