- د. عمر عبد العزيز .. في الظروف الماثلة عربياً لا مفر من اللجوء إلى عبقرية الثقافة وحكمة التاريخ، ورُشد الديانات، وذلك بمجابهة المد العاتي لشكْلي التطرف اللّذين يظهران كما لو أنهما متناقضان فيما يخدمان نفس الأهداف. الطرف الأول يتمثل في النزعة اليمينية الوحشية العالمية الملتبسة بالأساطير وأوهام القوة المطلقة، والثانية تتمثّل في ردود الأفعال العدمية التي تقع في مستنقع الاستدعاء المرضي لسيئات التاريخ تحت مسمى الهوية الخالصة والرأي الأصوب !! . الثقافة هي المعادل السحري، بل المخرج الاستراتيجي لما يواجهه العالم، ذلك ان الثقافة ستعيدنا إلى مرابع الحقيقة الأزلية للتوازن والتكامل والتواشج والفطرة السليمة . إن الترجمة الإبداعية لهذه المفاهيم، والانصراف الإجرائي اليومي لإيقاع المعرفة وتداعياتها كفيل بردم الهوة بين الحكمة والتفلّت، بين الواقعية والجموح في العبث، فالنشاطات الثقافية متعددة الأبعاد والرسائل والمضامين إنما تصل الحقيقة بمنابعها، وتُبعد الغث المسيء من دوائرها، وتجعل روح التسامح والتعايش والتكامل بديلاً منطقياً لما يناقضه. المنصرفون الى عالم الفتنة والشطح الفاقع لا يمكنهم أن يعيدوا إنتاج نواميس الحكمة والروية والعقل، والباحثون عن تصفية الخصوم بأي ثمن لا علاقة هم بمنهج الحضارة ومقتضياتها، والعالم العربي اليوم أصبح في قلب البؤرة المستعرة لبروفات التغيير القسري المنافي لمقتضيات الجغرافيا والتاريخ والخصوصية، والانظمة الرسمية تتخبّط في تعاملها مع المستجد المداهم لأنها فقدت السيطرة الفعلية على أفئدة الناس وقلوبهم . في مثل هذه الظروف للثقافة رسالة ملحة وضرورية، بل واجب يقع على عاتق الإنتلجنسيا الرائية لأمر التاريخ وأبعاده، والحال، فان القائمين على أمر الحكم والحكومات بحاجة ملحة الى التأسي بالآراء النيرة، لعل ذلك يشكل مخرجاً من الحال الماثل . [email protected]