ربما يكون الاعتراف بالحقيقة أمراً مراً ،ولذلك يصعب على البعض هذا الاعتراف إما لمرارته أولأسباب أخرى أهمها الخوف من مواجهة الحقيقة ومما قد يحدث جراء هذه المواجهة ،وبذلك يحل الاصرار والعناد ،والتمسك بالآراء والمواقف والدفاع عنها على حساب الحقيقة والصواب وعلى حساب ماهو أغلى وأثمن ،والحقيقة غالية بحضورها وغيابها ،غير أن في غيابها يحضر الخطأ ويستمر بالاصرار والمكابرة وكل هذا نتاج الجهل والتجاهل. إن الاصرار على اقتراف الخطأ وقد اتضحت ملامحه وبانت ،والاستمرار في ذلك باعتباره ليس خطأ دون أدنى محاولة لمراجعة الحسابات والمفاهيم والمواقف فهذا بحد ذاته أمر وأنكأ من مرارة الاعتراف بالخطأ ومن ألم الاقلاع عنه عند من أدمن مزاولته والعمل به بقصد أوبغير قصد ،والاقلاع عن الخطأ والسلبيات يحتاج لعزيمة وأخلاق من طراز رفيع تجبر صاحبها للتخلي عن ممارساته عندما يتضح عدم صوابها وتهون عليه مرارة الاعتراف بالحقيقة وخوف مواجهة الصدق. معظم المشكلات التي تحدث هنا وهناك تبدأ بخطأ أوالتباس وتستمر وتتعقد بالاصرار والمكابرة والعناد وبرغبة البعض في عدم التراجع عن الاسباب ومراجعة الحساب ،والتمسك بالآراء والمواقف مهما كان الثمن. يكون الإصرار محموداً في القضايا التي تكون فيها الحقيقة في كفة الصدق والحق وفي التمسك بالقيم والمبادئ النبيلة وفي عدم الاضرار بالغير والاساءة إليهم أما الإصرار على موقف لم تتضح تبعاته والتمسك بالخطأ أو مايقع في دائرة الخطأ أو الشك فهذا ضرب من الجهل والجهالة والغباء. اقتراف الخطأ والاستمرار عليه بالاصرار والمكابرة يعود سببه إلى فكر صاحبه وثقافته وأخلاقه وتركيبه النفسي المشوه ،فمن لايقبل أن يراجع مواقفه وافعاله وسياساته ولايتراجع عنها وقد اتضحت بأنها تقع في دائرة الشك والخطأ ،لايكون سوياً من الناحية الاخلاقية والفكرية والنفسية ،ومن ير أنه صاحب الحقيقة المطلقة وأنه لايخطئ أبداً ،فهو مريض وغارق في جهله وإن أظهر مهارات وفنوناً ومعارف شتى وإن ارتدى ثوب الوقار وأظهر دماثة الاخلاق أو ادعى أنه ضحية وأن مواقفه مستهدفة ،وأن المجتمع من حوله لم يفهمه ولم يتفهم مواقفه وآراءه ،فكل مايدعيه بغض النظر عن صوابه من عدمه هو بالأساس يدعو لمراجعة الآراء والمواقف وكل الحسابات المتعلقة بذلك ولايدعو إلى الاصرار على المواقف والتمسك بها وتصعيدها تحت أوهام امتلاك الحقيقة والصواب. عندما يجمع الناس على أن حالة التمرد ومقاومة السلطات الشرعية في البلد بما يترتب على ذلك من إضرار بالوطن والمواطن وماقد يخلفه من تبعات سلبية في كل الجوانب حاضراً ومستقبلاً ،عندما يجمع الناس على أن هذا الأمر خطأ وبعيد كل البعد عن الصواب ويصر المتمردون ومن يتعاطف معهم على أنهم على حق وصواب وأن كل هؤلاء الناس لم يدركوا ماهم عليه من الحق والصواب فهذا هو المرض بعينه والخطأ الذي صار خطيئة .. ولهذا عندما تصبح الخطايا سلوكاً فإن علاجها يكون أصعب وربما احتاجت أوقاتاً أطول وإن استدعى الأمر ماهو مؤلم للعلاج فإن آخر الدواء الكي.