تحقيق/ قائد يوسف- تصوير/عادل العريقي - التأمين سيوفر الرعاية الصحية حسب الحاجة إليها وليس حسب قدرة الدفع مقابلها منذ 17 عاماً ونحن نسمع عن ضرورة إنشاء نظام التأمين الصحي الاجتماعي في بلادنا على ضوء الدراسات والبحوث العلمية التي أجريت منذ مطلع التسعينيات وبدعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتي أكدت أن التأمين الصحي الاجتماعي هو الشكل المناسب لليمن ، في المقابل أكدت ما خرجت به تلك الدراسات أكثر من جهة دولية منها منظمة الصحة العالمية ، والبنك الدولي ، ومنظمة العمل الدولية .. وهناك جهود ملموسة بذلت في هذا الجانب سنستعرضها لاحقاً ، لكن وبالرغم من كل ذلك لا يزال التأمين الصحي هو الحاضر الغائب في أروقة الجهات المعنية ، وما يزال حلماً يراود الجميع باعتباره المخرج الوحيد لتطوير صحة المواطنين والحصول على خدمة صحية متميزة حسب الحاجة إليها وليس حسب قدرة الدفع عليها خاصة وأن المسئولين في وزارة الصحة يقولون أن الحكومة اليمنية لا تستطيع الاستمرار في تحمل نفقات الرعاية الصحية المتزايدة عالمياً من ايراداتها المحددة ولابد من تضافر جهود العاملين وصاحب العمل والحكومة في تحمل المسئولية بشكل مشترك في إشارة إلى إتباع نظام التأمين الصحي ، وقد سبقنا دول غنية وفقيرة إلى تبني هذا النوع ، أي هذا النظام كحل للمشاكل في القطاع الصحي حتى يتمكن قطاع واسع من المجتمع من الحصول على الخدمات الصحية. تكلفة باهضة لماذا إذاً التأمين الصحي ؟ نسمع كثيراً عن التكاليف الباهضة التي يدفعها المريض لقاء حصوله على الرعاية أو الخدمة الصحية سواء في المستشفيات الخاصة أم العامة فيه حالات كثيرة يضطر المرء إلى بيع ممتلكاته لأن بعض الحالات المرضية تتطلب تكاليف تفوق طاقة الفرد العادية وذلك لسبب بسيط أن الدولة لم تعد قادرة على تقديم خدمات صحية مجانية وتشير بعض الاحصائيات إلى تكاليف الحصول على العلاج تصل إلى نسبة 75% من دخل الفرد مما يؤثر ذلك سلباً على دخله ودخل أسرته. فالتأمين الصحي يعني في أبسط معانيه ، مشاركة الجميع عمال أو موظفي الغرف أو المصنع أو الحكومة بعضهم البعض في تحمل مخاطر المرض ودفع تكلفة العلاج ، فالعملية التأمينية هي أن يدفع العامل وصاحب العمل أقساطاً شهرية تأمينية من مرتبه إلى مؤسسة الطرف الثالث «هيئة التأمين الصحي» والتي بدورها تتعاقد مع المرافق الصحية العامة أو الخاصة حول تقديم خدمات ورعاية صحية مناسبة للمؤمن عليهم بما يجسد ذلك مبدأ العدالة الاجتماعية في توفير الرعاية الصحية حسب الحاجة إليها وليس حسب قدرة الدفع مقابلها كما ذكرنا. مازلنا متأخرين بالطبع هناك جهود بذلت منذ سنوات لكنها لم تستطع إخراج التأمين الصحي إلى حيز التنفيذ والتطبيق في الواقع العملي ويقول الدكتور/ عبدالكريم راصع وزير الصحة لا أخفي عليكم سراً إذا قلت أننا قد تأخرنا كثيراً عن تنفيذ التأمين الصحي الاجتماعي حيث كان على جدول حكومة الوحدة عند تحقيقها في 22 مايو 1990م، وبناء على نتائج الدراسات التي أجريت بشأن التأمين الصحي الاجتماعي وارسلت الحكومة اليمنية أكثر من شخص وأكثر من وفد للإطلاع على تجارب التأمين الصحي في البلدان الصديقة وأكدوا بعد عودتهم على ضرورة البدء بتنفيذ التأمين الصحي الاجتماعي. الدكتور/ عبدالله الحامدي مدير عام مكتب الصحة بأمانة العاصمة استعرض مجمل الجهود الوطنية فيما يخص مستجدات التأمين الصحي منذ العام 1990م حتى اليوم باعتبار أن هذا التأمين مايزال بعيد المنال .. وقدم بعض الحقائق والوقائع عن النظام الصحي وما يتطلبه من إصلاح ، وأوضح بأن الدولة ممثلة بوزارة الصحة كانت تضطلع بتقديم الخدمات الصحية من خلال المستشفيات لعموم المواطنين ، ومنذ 92م بدأ تنفيذ تجربة مشاركة المجتمع في عدد من محافظات الجمهورية لمواجهة الأعباء المالية التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة في الخدمات الطبية كما يعتبرها الدكتور الحامدي. لكني هنا أختلف معه في ذلك لأن المستشفيات كانت ومازالت متخلفة إلى حد ما في استخدام التكنولوجيا الحديثة في الخدمات الطبية ولم تفعّل مشاركة المجتمع والتي سميت بأسماء مختلفة وأشكال مختلفة على تحسين نوعية الخدمات الصحية سواء الشيء اليسير بالرغم من عدم قانونيتها باعتبار أنه لا جباية إلاّ بقانون ويخلص إلى القول بأن التأمين الصحي خيار استراتيجي وحيد لإصلاح النظام الصحي القائم. ويورد الدكتور/ الحامدي عدداً من الأمثلة التي تضمنت برنامجاً تضامنياً من قبل القطاعين العام والخاص منذ مطلع التسعينيات وحظي عمالها بالتأمين الصحي منها شركة النفط ، المؤسسة العامة للاتصالات ، البنك العربي ، مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه. محاولات فاشلة كما ذكرنا سابقاً في عام 1990م استدعت وزارة الصحة خبيرين عبر الوكالة الأمريكية للتنمية وأوصي بأن التأمين الصحي الاجتماعي هو الأنسب للجمهورية اليمنية ، وبعد عام بالتحديد عام 1991م تشكلت لجنة من وزارة الصحة ووزارة الشئون الاجتماعية بشأن إعداد نظام اللائحة بالتأمين الصحي في اليمن وبالفعل قدمت إلى سكرتارية مجلس الوزراء وفي نفس العام كان هناك أول مشروع تأمين صحي للقطاع العام ، وكان معدل المساهمة ب3% و4% من الحكومة والتمويل من خلال الاستقطاع من المرتب والفوائد شاملة لكنها محدودة لكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح .. ويؤكد الدكتور/ عبدالله الحامدي في العام 91م تم استقطاع 4-20% من المرتب لصالح التأمين الصحي بينما التأمين الصحي لم ينفذ. ويوضح الحامدي بأن عام 94م كان هناك مقترح بتأمين صحي مع مستشفى الثورة يعني ذلك لا يشمل العلاج في الخارج وعلاج داخلي مجاني في مستشفى الثورة 2% كان دفع مشترك للرعاية الداخلة بالإضافة إلى مساهمة إضافية بمعدل 75 ريالاً للمرأة و50 ريالاً. وكان يعتقد أن ذلك بمثابة حافز تنظيم الأسرة وفي العام 95م تم استعادة المناقشة حول التأمين الصحي على الأجندة السياسية وكان ذلك متزامناً مع تنفيذ مشاركة المجتمع في المرافق الصحية ، وتم تقديم أول مشروع تأمين صحي عام 95م للقوات المسلحة إلى مجلس الوزراء والبرلمان وتضمن المشروع النسبة المقترحة ب 2% للجنود و 3% للضباط ، لكن الدكتور/ الحامدي لم يتطرق لمصير هذا المشروع. ويذكر الحامدي أنه عام 2000م زار مدير التأمين الصحي بجمهورية السودان الشقيقة بلادنا وقدم تجربة بلاده في هذا المجال وتم تعيين أول مدير عام للتأمين الصحي في وزارة الصحة والذي بدوره بدأ بإعداد الخطط وجمع المعلومات من منظمة الصحة العالمية وقد رفضت .. وعقب ذلك قدم مشروع قانون التأمين الصحي للقوات المسلحة إلى مجلس الوزراء وفي العام 2002م طالب مجلس الوزراء وزارة الصحة والسكان بإنشاء صندوق تأمين صحي خلال شهر. لكن ذلك لم يكن نهاية المشوار بل تم التأكيد على ضرورة البدء بالعمل بالتأمين الصحي وفقاً لما تضمنته الخطة الخمسية الثانية 2000 - 2005م ناهيك عن توجيهات القيادة السياسية ومجلسي النواب والشورى بسرعة التصديق على مشروع قانون التأمين الصحي والبدء بتنفيذه. ويشير الدكتور/ الحامدي إلى أنه في عام 2003م أجريت المشاورات من قبل منظمة الصحة العالمية حول مقترح قانون التأمين الصحي الاجتماعي وقدمت مسودة القانون في إطار عمل جديد وقد أعدت صياغة القانون لجنة مكونة من وزارة الخدمة المدنية ، المالية ، العمل والتأمينات ، الصحة والسكان وفي العام 2004م قدم مشروع قانون التأمين الصحي العمل إلى مجلس الوزاء لكن المجلس لم يصادق عليه وطالب بمزيد من التفكير واشترط المصادقة بدراسة مسبقة على مشروع القانون .. وهكذا وصل التأمين الصحي إلى طريق مسدود. فالغريب في الأمر أن هناك اجماعاً حول ضرورة التأمين الصحي على كافة المستويات ورغبة جامحة في تنفيذه على الواقع العملي ، لكن أحداً لم يقل لنا كيف السبيل إلى ذلك طالما رفضت مشاريع القوانين والدراسات المقدمة إلى أصحاب إقرار حول التأمين الصحي الاجتماعي قبل (17) عاماً ليست كافية للاتفاق حول الصيغة النهائية لمشروع قانون التأمين الصحي ونحن بحاجة إلى سنوات أخرى من الدراسات والمداولات واللجان المشكلة والاجتماعات المتكررة. أم أن وزير الصحة والسكان الدكتور/ عبدالكريم راصع قد وضع التأمين الصحي في سلم أولوياته وبامكانه تحويل كل المحاولات السابقة إلى واقع ملموس ؟!! مخاض طويل وبقي لنا أن نذكر في حالة المصادقة على قانون التأمين الصحي بعد انتهاء اللجنة المشكلة بهذا الشأن من إعداده مؤخراً والبدء بالعمل به في الواقع العملي سيكون القانون الوحيد الذي استغرقت فترة مخاضه سنوات طويلة.