في السوق ذهبت لتشتري بعض الخضراوات من سوق باب اليمن ولأمل مرة تذهب لهذا السوق بعد مجيئها إلى صنعاء، لأول مرة تكتشف بطن المدينة فهي من مدينة أخرى أقل زحمة وأقل عمرانا.. أودعت جسمها النحيف، وأطلقت خطواتها الخائفة لاجتياز المساحات الضيقة، والأصوات المتباينة .. تحاول تركيز بصرها على الباذنجان، تقف أمام أكوام الباذنجان قائلة: بكم الكيلو ؟ تشعر أن هناك من يتعمد الالتصاق بها .. تبتعد قليلا .. لم يرد عليها بائع الباذنجان لانشغاله بزبون آخر، تلتفت خلفها، تشتم كل المارة، والباذنجان وأصحابه. تمشي قليلا تشدها الملوخية التي تلمع وريقاتها قرب الكوسة، فتجلس هذه المرة متحاشية أية احتكاكات أخرى محتملة. يتغبر (شرشفها) بالتراب وتمضي بحزمتي ملوخية، يناديها بائع البهارات .. كله رخيص للزبائن الطيبين أمثالك تشتري بعض البهارات وأرز باكستاني وباكت مرق دجاج وبينما هي تحاسب البائع الماهر وسط السوق ورائحته الكريهة تحس بيد تقرصها من خلف .. ترمي ما بيدها وتمسك به .. تمطره بالشتائم، تضربه بيدها اليسرى لكمات متتالية والشاب الطائش يحاول التخلص من قبضتها ويختفي بين الناس خجلا. في الحزن يراودها شعور بالحزن والغربة ففي لحظة ما أحست إنها في حاجة إلى البكاء فأخذت تبكي بصوت عال .. سمعت صوتها جارتها في الشقة المواجهة .. طرقت الباب .. دفعت به للأمام، فانفتح .. وجدتها تبكي كمن فقد عزيزا .. ماذا بك ؟ ما الذي حدث ؟ حكت لها إنها تشعر بالحزن العميق لفراقها أهلها خاصة أمها المريضة وشقيقاتها الصغار اللاتي انقطعت أخبارهن منذ عام فهي تعيش الغربة في مدينة كهذه يبدأ يومها بالنكد وينتهي بالبكاء تشعر بالتعاسة لتأخر زوجها في العمل وبقائها وحيدة بين أربعة جدران لا تدري ماذا تعمل ولمن تشتكي، بكت الجارة هي الأخرى بكاء حارا لأنها تذكرت أنها تعيش نفس المشاعر الحزينة التي جعلتها تدمن جلسات التفرطة – لتقضي على الحزن الغربة اللذان يلازمانها منذ سنوات. في المذكرة كتب إليها في المذكرة (لاشيء يدعو للرثاء على امرأة نسيت أن تكون امرأة فقد توارت خلف أزمنة غريبة وقيم غير التي تؤمن بها توارت خلف عدة أقنعة وكل نهار ينزاح قناع وعند آخر المحطات يبدو الوجه الحقيقي ولكن هيهات فآخر المحطات لن تأتي