لأنها عدن ولأنها مدينة كانت ولاتزال مفتوحة من كل جانب كان لابد من تحصينها فمدينة عدن تحيطها سلسلة جبلية جعلتها حلة ينبهر منها الرأي فكان لابد من إحاطتها بتلك الحصون والقلاع والتي اندثر معظمها نتيجة للحروب التي شهدتها مدينة عدن طوال اعوامها المليئة بالاشجان.. وكما كان لعوامل التعرية جوانبها الأخرى في اختفاء بعض من تلك الحصون والقلاع التي لايزال بعضها قائم على سلسلة الجبال التي تحيط عدن. سحر المكان عدن تستقبل زائريها بسحرها الذي ترسله شمسها الصيفية لتعطي من جاءها يحمل شوقه وحنينه العارم إليها يحث الخطى إليها.. لاتحتاج عدن إلى من يعرف الزائر بها فأناسها الطيبون يعرفون بسيماهم وبحرها العذب يجذبهم إليه كلما التقاهم وجمالها الذي يأخذ سحراً آخر وهو سحر المكان الذي يترك ذاكرته في نفوس الزائرين.. يجعل من عدن انشودة صيفية ابدية الغناء ترتدي حلتها عدن في كل لحظة.. وفي ليلها تقال آخر القصائد التي لم ينضمها بعد أي شاعر.. ليل عدن سكينة القادم فهي مسكونة بهدوءها وجمالها.. مسكونة بأناسها الذين يغدون إلى الافق يحملون آمالاً أخرى ليعبرون طريقها الذي لم يستطع عبوره.. لنقل سحر عدن يأسر من عرفها ولامسها وألبسها حلتها البهية.. إنني اعجز ماذا اقول عنها لعلي لا أجيد الوصف والتعبير لعل العلم يخطئ.. فهل استطيع أن انضم قصيدتي التي تابى الحروف أن تكتب على الورق لأن الحبر يعجز كيف يسطر جمال هذه المدينة بجبالها البركانية التي تشتاق إلى الخضرة لولا الغيوم الراحلة إلى أماكن اخرى غيرها فالغيم يتشكل في سمائها ليتركها كما هي في جفافها المعتاد.. عدن صيفية على مدار العام بحرارتها التي ما إن ترتفع تارة حتى ترتفع أكثر وأكثر.. هكذا عرفها العدنيون بعدن التي لاتجود إلا بحرارتها المستمرة ولكنها تظل تأسر الزائر بما تمتلكه بغير الخضرة التي تحاول أن تتشكل بعضاً منها على جولاتها وجوانب من متنزهاتها .. شيء آخر يدعو الزائر إلى التعجب من هذه المدينة التي لاتستقبله إلا بشموخ وبعزة جبل شمسان الذي يأبى إلا أن يكون منتصباً كعادته وشامخاً في مكانه لاتهزه إلا بعض الغيوم التي تلامسه بحب لتقول له : ها أنا اهزك ايها الجبل الشامخ طرائق المكان وتفاصيلها وشواهد من سحرها يجعل لها مذاقاً آخر من مذاقات روائح البخور العدني التي صارت رائحته تعطر كل بقعة.. ليل عدن وسحر المكان تحير الذاكرة كيف تفسر هذا الجمال فكل شيء في عدن ساحر وكل شيء يأخذ التفكير بل ويضع الرأي في حيرة من امره ويقول أي المدن تبقى شامخة رغم تلك الحرارة المرتفعة. اهمية الحصون والقلاع في مدينة عدن أهمية هذه الحصون انها بمثابة نقاط حراسة تشرف على مدينة عدن وتحميها من الغزو الاجنبي ، كما حدث في مواجهة البرتغاليين عندما قدموا لاحتلال عدن فقد كان للقلاع والحصون دور في صد المحتلين إذا أن هذه القلاع كانت نقاط تمركز للجند ، واستخدم بعضها الآخر لمراقبة السفن القادمة إلى ميناء عدن القديم الواقع اسفل صخرة صيرة «جبل صيرة» ، وكما أن آل زريع عينوا موظفين اثين يقومان بمراقبة السفن القادمة إلى مينآء عدن وكل منهما يقف على حصن من الحصون القريبة من الشاطئ فإذا ما شاهد أحدهما حركة سفينة قادمة. وتيقن من قدومها إلى الميناء نادى بأعلى صوته «هيريا» فيرد عليه الموظف الآخر وحينما يسمع ولاة المدينة النداء يتوجهون إلى الميناء لاستقبال السفينة القادمة وهناك يقومون بالاجراءات اللازمة والضرورية وهذه وظيفة ثانية من وظائف الحصون قديماً بيد أن الحصون المرتفعة والعالية تستخدم في الغالب كدعم في الحروب ورصد تحركات الاعداء وحماية المدن ومنها ما تستخدم في مراقبة السفن وهي الحصون الواقعة على مقربة من الميناء.. وهناك حصون عبارة عن مأوى للسكان أو قصور للحكام كالحصون المنتشرة على جبل المنظر والتي اندثرت تماماً وهذه الحصون بالطبع تختلف اختلافاً كبيراً عن حصون الحراسة ومراقبة السفن والدفاع الوطني فقد كان بعضها مقراً للحكومة الايوبية والزريعية وبعضها الآخر دور للضيافة وسكن لرجالات الدولة. تشييد إن هذه القلاع والحصون اذهلت الكثير من الجواسيس الأوروبيين الذين كانوا وقتذاك يجوبون الشواطئ اليمنية بحثاً عن مناطق النفوذ ومنهم الجاسوس البرتغالي دي كوفيلها. وهناك قلاع وحصون أخرى تنتشر على قمم جبل الخضراء وجبل التعكر والسلسلة الجبلية الممتدة إلى شمسان ، فقد قامت على انقاض قلاع وحصون قديمة وبعض هذه القلاع والحصون يرجع القول بأنها قد شيدها الاتراك والبعض الآخر شيدها المستعمر البريطاني منذ احتلاله لمدينة عدن. فالحجارة المستخدمة في بناء هذه القلاع والحصون اشبه بحجارة التحصينات والجسور التي تبناها البريطانيون على جبل التعكر التي شقت في طريق العقبة ومن أهم هذه القلاع هي قلعة صيرة. أحداث إن الحصون القوية وكذلك القلاع التي احيطت مدينة عدن ساعدت على صد الغزاة والقراصنة في المراحل الأولى من الاستعمار الاستيطاني وهذا عكس ماكان يحدث في السواحل اليمنية الأخرى كسواحل حضرموت التي تعرضت لبطش القراصنة والغزاة وعبثهم فقد ساعد على العبث غياب حرس الشواطئ وعدم وجود أي شكل من اشكال الحماية الطبيعية وقد كان هؤلاء القراصنة يجوبون هذه السواحل. ويعيثون فيها فساداً ينهبون ويسلبون السفن ويأسرون ويقتلون الأهال حيث غدت هذه السواحل مسرحاً للنهب وسفكاً للدماء وهتكاً للأعراض في حين كانت السلطات الحاكمة تقسم المدن والقرى فيما بينها وتشن حرباً لاهواده فيها ضد القبائل والجماعات المناوئة لها وتتصرف تصرفاً مشيناً في المدن الآهلة بالسكان. ففي القرن التاسع عشر للميلاد كانت معظم تحصينات مدينة عدن قد تعرضت للإندثار بحكم عوامل مختلفة ابرزها حملات الغزو الاستعماري بمختلف اشكاله على المدينة فقد تعرضت القلاع والحصون المنتشرة للتدمير حيث طمست معالمها تماماً أو كادت باستثناء بعض القلاع والحصون التي تعود ربما إلى العصر التركي وكانت قلعة صيرة حينها تئن تحت وطأة الجروح الدامية بيد أنها ظلت صامدة صموداً لانظير له. جبل المنظر وماعليه يقف هذا الجبل قبالة جبل صيرة وهو من الجبال ذات الأهمية ،حيث كان مقراً لحكام عدن على مر عصورها وعليه قامت دار المنظر التي ذكرها ابن المجاور في تاريخه وقال : إن الايوبيين هم من قاموا في بنائها في حين ينفي بامخرمة ذلك القول ويقول مافحواه أن آل زريع كانوا يسكنون المنظر قبل استيلاء الايوبيين على عدن فلعل الايوبيين جددوا هذا الدار ويعد جبل المنظر من المواقع الأثرية الهامة فيما يظن شيدت فيه الدور القديمة والحصون وتشير الروايات إلى أنه كان مؤيداً للعلماء والشعراء الوافدين من البلاد العربية إلى عدن كإبن قلاقس وكانت تقام فيه مجالس الآدب التي يحضرها لفيف من الشعراء من الشمال والجنوب كالعندي وعمارة اليمني واليافعي ومما كان يقوم في مقات وهي على مقربة من جبل المنظر مسجد شيد رضى الدين التكريتي والي عدن في العصر الايوبي وحديقة للفيلة وحمام سمي بحمام حسين. الجانب الآخر من عدن الحصون التي شيدت في عدن وكذلك القلاع لاتزال شامخة في أعالي جبال عدن التي تحيط بالمدينة وتحتويها من كل جانب فعدن كأي مدينة وكأي مكان يزخر بالعطاء الأثري والتاريخي فلا أحد يستطيع أن ينكر أهمية هذه القلاع التي صارت اليوم لها دور كبير في جعل مياه عدن محفوظة فيها.. فالجانب الآخر الذي يجعل الباحث عن آثار عدن وينقب في احجار ماتتركه عوامل التعرية التي لطالما استطاعت أن تدفن ملامح ماتبقى من هذه المدينة التي تدهش الآخرين فهي جميلة والأجمل من ذلك أنها قبل أن تكون مدينة للاقتصاد والتجارة فهي فخر لكل تاريخ ففي كل مكان له قصة وحدث كما هو واضح في احداث شهدتها حصونها.