في أدراج المحاكم أو النيابات آلاف القضايا سببها «خصومات أراضٍ» وفي أروقتها يبدو من غير الطبيعي أن يمر يوم ما دون أن تشاهد فلاحاً أشعثَ وبيده كومة وثائق تثبت ملكيته وتدين «شريكه» وخاصة مع بداية «مبكر».يقول الشيخ/عبدالقادر هائل نعمان: تبرز العديد من المشاكل والخلافات بين «الرعية» المواطنين مع بداية الموسم الزراعي، ويشير إلى أن أسبابها كثيرة أولها تجاور الأراضي بين طرفين مختلفين ويظهر ذلك عندما يبدأ المزارعون بتفقد أراضيهم بداية الموسم، حيث يقومون بصيانة الأراضي بعد تعرضها لعوامل التعرية أو الإهمال بعد موسم الحصاد. ومن ظواهر وأسباب المشاكل في هذا الموسم هناك من يقيم جداراً يمتد إلى أرض تتبع طرفاً آخر..أو قد تنمو أشجار بين أملاك طرفين ويذهب كل منهما إلى الإدعاء بملكية تلك الأشجار. ويضيف الشيخ/عبدالقادر: إن ثمة خلافات تطرأ بين الورثة بسبب انفراد طرف على حساب آخر بمجاري السيول «السواقي» أو مايسمى ب «مواسن» مياه الأمطار التي من خلالها يتم ري الأرض، إضافة إلى تلك تنشب بعض الخلافات بين الرعية حول الأراضي نظراً لغياب العلامات الفاصلة «الحدودية» بين أملاك الطرفين المتجاورين، أو تغيير معالمها من قبل طرف دون علم الآخر. وهناك أراضٍ سبق أن تقاسمها الورثة وتبقى أراضٍ أخرى مهملة لم تشملها عملية التقسيم بين الورثة ونتيجة إهمالها يقوم أحد الورثة باستصلاحها ومن ثم زراعتها دون الأطراف الأخرى ومن هنا يبدأ النزاع بينهم.. وتنشأ الخلافات أحياناً نتيجة رفض بعض الورثة بماسبق من التقسيم للأراضي وتتطور الخلافات في الموسم الزراعي ليصل الأمر إلى حد توقيف الأرض وتصبح «بوراً» دون استغلال. وحسب ماهو معمول به في مناطق مديرية جبل حبشي أن ثمة ملاَّك أراضٍ كان في السابق يمنحون بعض المواطنين ممن لايملكون أراضي زراعية - قطعاً من الأراضي الزراعية لغرض الحفاظ عليها واستغلالها، ويدفعون مقابل ذلك للملاك من حصاد الأرض «غلة» ويسمى هذا بحسب العرف «شُرك» أو «مَشرك» ويحق للمالك كتابة وثيقة خاصة بذلك وتسمى «مَشرك» مقابل أن يدفع الطرف الثاني ويسمى «الشريك» مبلغاً من المال ويعمل بموجب ذلك وثيقة مماثلة للمالك تسمى «أجور» على أن تسلم أيضاً للمالك «غلة» معينة حسب ما تزرعه قطعة الأرض. ومع مرور الزمن وتناقل ذلك من جيل إلى جيل، يسعى بعض الشركاء إلى إنكار الملاك أحقيتهم بالأرض ويبررون موقفهم بأن ماكان يغله آباؤهم وأجدادهم للملاك إنما هو مجرد عادة. ويشير الشيخ/ عبدالقادر إلى أن المتعارف عليه في مناطق المديرية هو أن الشريك يبقى متمسكاً بالأرض ولاترفع يده الباسطة على الأرض إلا بخلل شرعي..أي أن يدعي الشريك بملكيته للأرض ويرفض دفع الغلة للمالك..أو أن يهمل الأرض مما يتيح للمالك فرصة استغلال أرضه واسترجاعها من الشريك. ثمة من ملاك الأراضي الزراعية من يهدفون من وراء منحهم قطعاً من أراضيهم للرعية لمد نفوذهم وسيطرتهم لإخضاع الرعية وتسييرهم وفق توجهاتهم ومن ثم تبقى تلك الأراضي نقطة ضغط على «الشريك» من قبل المالك حين يطلب شيئاً مامن الشريك مثل: الفروقات المالية أو في تخاصم الشريك مع طرف آخر ويحكّم المالك من قبل الطرف الآخر، وفي حال رفض شريك المالك ذلك يبقى أمام المالك التهديد بإيقاف الشريك من استغلال أرضه أو أخذها منه ومن هنا تتطور المشكلة. فكثير من الملاك يعملون على إذلال الشريك بحجة أن لهم ملكاً عنده، وأي طلب يطلبه المالك ويرفضه الشريك يقوم المالك بعملية اغتصاب الأرض ونزعها من الشريك.. والمؤكد أن «الشُرك» المتعارف عليه في المنطقة هو شرك «مؤبد» له ولابنه ولمن جاء بعده من ورثته، بمعنى أنه لايحق للمالك انتزاع الأرض إلا في حالة الإنكار وعدم تسليم «الغلة». ويعد الُشرك المعمول به في مديرية جبل حبشي هو الشرك «المؤبد» ويسمى «شُرك حمودي» وكثير من الرعية يطلقون عليه «مذهب خامس» وهو عرف سائد في المنطقة.. وثمة مقولة للإمام أحمد كان يستدل بها الرعية لمثل هذه المشكلة «لله الملك والمالك مكله بحسب سالف أو عرف المنطقة» قالها عندما رُفعت إليه شكوى من أحد الرعية في عزلة مراتبة، بمديرية جبل حبشي. تطورات المشكلة وتصل خلافات الرعية إلى مفترق طرق إما أن يتفق المتخاصمون على إحضار شخص ما يكون ذا خبرة وعلى معرفة بمفاصل خلافات الأراضي الزراعية بين الرعية والملاك، فإما أن يقتنع الطرفان بما يطرح عليهما من الحلول المجانية من أهل المعروف والمصلحين أو الرجوع إلى عدل القرية ومن ثم إلى شيخ المنطقة فإن أصلح الشأن، وإلا تطورت الخلافات لتصل بحدودها إلى جهات أخرى رسمية، بدءاً بإدارة أمن المديرية وصولاً إلى النياب،ة ومن ثم المحكمة وتبدأ الخسائر المالية تتصاعد أرقامها ويدخل الطرفان في سجال وتحدٍ في دفع المال، وكل يستقوي بمقدار ما ينفقه من المال في سبيل «المشارعة» حتى تذهب القضية إلى المحاكم كماهو حال العديد من القضايا التي تأخذ وقتاً أطول دون حسم وتبقى إلى أجل غير مسمى. وفي إدارة أمن المديرية ثمة قضايا عديدة بخصوص النزاع على الأراضي تزدحم بها ملفات الأمن لاسيما مع بداية الموسم الزراعي «مبكر» كما شاهدنا المواطنين «الرعية» هناك في منطقة يفرس. نتائج التطويل في هكذا قضايا كما حدثنا رجل الأمن عبدالله سيف تؤدي إلى تطور الخلاف ومن ثم إلى القتل وتتعقد المشاكل وتتشعب، وتتفرع منها مشاكل أخرى. من ذرة تراب إلى القتل ويرجع الحاج سعيد محمد عليً النزاع الذي يحصل بين الرعية إلى فقدان الثقة وغياب كثير من القيم الأخلاقية والإنسانية.. ويشير إلى ما كان عليه الآباء والأجداد الأولون من القيم والأخلاق وقال: قديماً كانت تسود حياة آبائنا وأجدادنا السماحة والإخاء والتعاون، وكان الكل يعمل في الأرض وبشكل جماعي وتنجز أعمالهم في وقت أسرع؛ لأن الكل يعمل بروح الفريق الواحد، بينما اليوم تفرقت أيادي سبأ ونشأت المشاكل والفرقة بين أفراد الجماعة وطغت الأنانية وحب الذات على كل شيء، وبسبب ذلك تنشأ الخلافات وتطال أموراً كثيرة غير الأرض حيث تصل إلى حد القطيعة فيما بين الأطراف المتنازعة، وتهدر أموال كثيرة في سبيل الخلاف على بضعة أمتار من الأرض وتصل ذرة الخلاف إلى حد الاقتتال. ويضيف إلى ذلك «السروري علي» بالقول:إن هناك من يفتعل وبطريقة فيها من التضليل تزوير الأوراق الثبوتية الخاصة بملكية الأرض وتسمى «البصائر» وتضاربها أحياناً يؤدي إلى التنافر بين الأشقاء هذا بالنسبة للورثة.. وتصل خلافاتهم إلى حد أنهم يتناسون أمام أطماعهم وجشعهم صلة القرابة التي تجمعهم.. مقابل غرامة وفي مديرية الشمايتين يرى «عبده سعيد» أن ضمن خلافات الورثة أحياناً يكون أحدهم الواجهة أمام الآخر عن بقية شركائه ويكون على دراية وإلمام كامل بتفاصيل ماله ولشركاه من الأراضي المتنازع عليها ويعلم بالصواب من الخطأ نظراً لما بحوزته من الأوراق «البصائر» الخاصة بالأرض المتنازع عليها.. ويصبح هو المخول بمجاراة الخصم «الغريم». وهنا توسوس له نفسه بالاستحواذ على نصيب أكبر من الأرض دون التساوي مع بقية أشقائه أو الورثة. وثمة تبادل منفعة فيما بين المالك والشريك.. وقد ينفرد شخص من الورثة المالكين دون البقية بهذه المنفعة الارتباطية بالشريك ويبرر أن ما استحوذ عليه من الأرض هي مقابل «غرامة» أي مقابل خسارة أنفقها في مقاضاة الخصم.. وهنا يأخذ الخلاف تطوره بشكل أقوى مع ورثته، ويسعى ذلك الشخص القائم على الورثه بالحيلة والاتفاق مع خصمه مقابل تنازلات، تمكنه من التمويه على ورثته والاستيلاء على الأرض. وفي حال أنكر الشريك ما للمالك من حق في الأرض أو رفض دفع «الغلة» يقوم المالك وبحسب العادة المتعارف عليها بوضع «رسمة» على الأرض المتنازع عليها وتلك الرسمة هي عبارة عن حزمة شجرة «السدر».. وتكون تلك دلالة يفهمها الشريك وأهل المنطقة تؤكد أن المالك قد أوقف الشريك عن استغلال تلك الأرض؛ ويبقى هنا الحل المعالج لهذه المشكلة هو ان يقدم الشريك الاعتذار للمالك ويطلب منه السماح باستغلال الأرض وفق العادة التي سار عليها أبوه وجده.. هذا بحسب الشيخ/مقام عدل منطقة أروابص .. وأضاف أنه في حال رفض الشريك لذلك الحل تبقى الحجة على البراهين، فإن أثبت المالك صحة ملكه فما على الشريك إلا أن يتخلى عن الموضع أو الرجوع إلى وجهاء المنطقة، وهنا يفرضون عليه تحمل كافة «المغارم» أي الخسارة والقيام «بوصلة إرضاء» للمالك اعترافاً بالخطأ وطلباً منه المسامحة والعودة إلى ما كانوا عليه في السابق ويتفق على استئجار حديث للأرض حسب العرف.