قيل إن للتدخين فوائد عديدة منها أن المدخن لا يصاب بالشيخوخة لأنه يموت في شبابه.. وأنه يتعرف دائماً على أصدقاء جدد فهو في كل يوم عند طبيب جديد، كما أن اللصوص لايدخلون إلى بيته لأنه يفزعهم بسعاله طيلة الليل، ولأولئك الذين لايحبذون الاختلاط بالناس أو زيارتهم يفيدهم التدخين في تقليل زيارة الناس والأقارب لهم لأن للمدخن غالباًَ رائحة كريهة ومقززة. هذه الفوائد للتدخين في شكلها التهكمي السابق هي في الواقع تجربة متميزة في التوعية بأضرار التبغ حاول ناصحون أن يقدموها لمن قد يصغي.. وعثرنا عليها في سياق بحثنا المستمر عن الطرق والأساليب التوعوية الكفيلة بإقناع المدخنين ومتعاطيي المواد الضارة عامة بما فيها القات أن يكفوا عن إلقاء أنفسهم إلى التهلكة. وبالأمس فقط تأكدت أكثر من ذي قبل أن المهمة على نبل مقاصدها ماتزال أصعب كثيراً مما نتصور، وأن استحكام عادة التدخين لدى المدخنين بات في حكم الزواج الكاثالوكي لدى أغلبهم.. حتى لدى المدخن الواعي العارف بكل أضرار التدخين والأمراض القاتلة التي يكون التدخين سبباً فيها. إن عبارة «أعرف هذا كله» هي ما يصدمك بمجرد أن تبدأ في توعية مدخن شرس، أو حتى مقل للتدخين سواءً لا فرق ولا أدري هل يستوعب هؤلاء حقيقة خطر الدمار الذي يلحقه التدخين بأجسادهم؟ وربما ايضاً في أجساد من يعولون من نساء وأطفال بسبب التدخين السلبي الذي يتنفسونه من دخان سجائرهم؟ لم يعد التدخين في الواقع سبباً لأمراض سرطانية ثبت علمياً ومخبرياً أن مصدرها التبغ بكل أنواعه ووسائل تدخينه فحسب بل أصبح ظاهرة خطيرة في المجتمع صحياً واجتماعياً واقتصادياً، وبتنا نراقب بكل قلق انتشارها البطيء لكن الثابت بين الأجيال الغضة في المدارس ذكوراً وإناثاً على السواء، ولن نفاجأ والحال هذه بإحصائية تقول أن 11% من الفتيات في المدارس الثانوية في اليمن يدخن فما بال الشباب من الذكور؟ لقد تعددت وسائل التوعية بأضرار التدخين وحملت أشكالاً متعددة وتفنن مصمموها في كل العالم بل أبدعوا في ابتكار الجديد والظريف في هذا الأمر، ومع ذلك لنا أن نتساءل في ظل الاصطدام الصلب بعادة التدخين كممارسة سائدة لدى كثيرين في المجتمع.. إلى أي مدى أثمرت هذه الجهود في دفع هؤلاء أو بعضهم إلى الإقلاع عن هذه العادة الكريهة والقاتلة؟ إن المدخنين يقررون أنهم لا يحتاجون سوى إلى «الإرادة».. والإرادة فقط للإقلاع عن السموم التي تغزو أجسادهم صبحاً ومساءً لأنهم يعلمون أخطارها جيداً، فهل لنا أن نزعم أن المدخنين أصبحو أناساً مسلوبي «الإرادة» إنها حقاً معضلة كبيرة ومشكلة. وحتى تتبع الإرادة المطلوبة لهؤلاء الناس والكامنة في نفوسهم وهم لا يشعرون، نقول لابد لهم حتى ذلك الوقت من التنبه إلى ضرورة حصر الضرر الناتج من التدخين في أضيق صورة، وفي محيط لا يتعداهم إلى غيرهم من أجل حماية الأطفال والأزواج والأقران والأصدقاء من التدخين السلبي، ولابد أن يكون هذا هو هم المدخنين الأول، وفيه فائدة عظيمة لغيرهم ولهم ايضاً ليشعروا على الأقل أن لديهم مقومات «إرادة» قادرة على حماية من تحب، رغم تواريها تحت كثافة الدخان النابع من رئاتهم. كما أن على المجتمع مؤسسات ومنظمات أفراد ووسائل إعلام أن لا يتوقف مطلقاً عن التوعية بالأضرار المدمرة للتدخين وأن يمهد من خلال الجهود المبذولة لكل الإجراءات القانونية التنظيمية التي نأمل أن نصل إليها لحظر التدخين بقوة القانون والاقتناع بالفكرة في الأماكن العامة ووسائل النقل وأماكن التعلم والعمل، لأن هذه الخطوات هي خطوات لازمة لمساعدة المدخن على الإقلاع عن التدخين ومحاصرته في كل مكان لدرجة إشعاره بأنه منبوذ من المجتمع الذي أوجد هذه الآليات لحماية أفراده وتوفير الحق لهم في وجود الهواء النقي والنظيف من حولهم. إن المدخن بكل أسف يقتل نفسه ببطء وعن إصرار وفي صورة متخاذلة تبعث على الدهشة، ويصر على ممارسة لا عمل لها سوى حصد الأرواح بطرق سرطانية بشعة فتدمر الأجساد وتحطم الأسر بلا رحمة.. فهل من متعظ؟