كنا صغاراً في قريتنا النائية،وكان أولياء أمورنا يشجعوننا على جمع الحطب الأخضر ويوجهوننا إلى ضرورة تعريضه للشمس حتى يصير يابساً،وضرورة الحفاظ عليه بعد ذلك،ومع رفرفة العلم الجمهوري في سطح كل منزل،نظل نترقب يوم الخامس والعشرين من سبتمبر بفارغ الصبر. وما إن يأتي ذلك اليوم فإذا بنا نستعد منذ الصباح لتنفيذ بعض الأنشطة في المساء، وبدخول الليل وبعد أن يتناول كل منا العشاء بسرعة ،يتوجه إلى كومة «الحطب» التي جمعها ويشعل النار فيها،ويصب عليها بعض «الجاز» ليزيد اشتعالها. ولا نقتصر على ذلك،بل نأخذ كمية من «الرماد» ونضيف إليها «الجاز» ونخلطها معاً حتى تتبلل ،ثم نوزعها على أطراف سطح المنزل ونشعل فيها النار،فكانت سطوح المنازل في قريتنا والقرى المجاورة لها تتزين بذلك،ويبدو المنظر لمن يشاهده من مسافة مناسبة صورة جمالية رائعة. ولايخلو المنظر من أصوات الألعاب النارية كالطماش ،واطلاق الأهالي للأعيرة النارية في الهواء ،وارتفاع أصوات الأناشيد الوطنية من «مسجلات» بعض المنازل. كما كان الشوق يحدونا لمشاهدة التلفزيون في تلك الليلة ،ونظراً لعدم وجود الكهرباء كان صاحب التلفزيون الوحيد في القرية يضطر إلى استخدام «بطارية سيارة» فنتوجه إلى هناك حيث التلفزيون ينقل حفل إيقاد الشعلة وخطاب الرئىس/ علي عبدالله صالح الموجه إلى الشعب ونشاهد بقية البرامج المقدمة في هذه المناسبة. وفي اليوم التالي نحرص على متابعة ما ينقله التلفزيون من بث مباشر للعرض العسكري في ميدان السبعين،وكذلك مايقدمه من برامج ذات صلة بهذا اليوم العظيم. وكانت تقام احتفالات في مديريتنا فنذهب إلى مركز المديرية لمشاهدة الحفل،فنحصل على بعض الصور والملصقات والنياشين المعبرة عن هذه الذكرى ،فنعود وقد زاد تألقها في نفوسنا رغم بعد المسافة ووعورة الطريق. هذه صورة بسيطة حاولنا اختزالها في سطور،فلم تكن وحدها النار تتوهج في ذكرى الثورة بل كان توهجها جزءاً من وهج الذكرى في قلوبنا وعقولنا،ولم تكن تلك المشاعر وليدة اللحظة وإنما نتاج لما غرسته التربية فينا، فهل ستعيد مؤسساتنا التربوية النظر في برامجها ،إحياء لمبادئ ومفاهيم وقيم الثورة والوحدة في نفوس الأجيال ،وحماية لمنجزاتها. خاصة وأن بعض الأصوات «النشاز» تحاول إثارة الغبار وذر الرماد في العيون لتشويش الفكرة والرؤية.