مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    مفاجأة الموسم.. إعلامية سعودية شهيرة تترشح لرئاسة نادي النصر.. شاهد من تكون؟    البوم    الرئيس الزُبيدي يستقبل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ونائبه    رونالدو يطالب النصر السعودي بضم لاعب جديد    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    شهداء وجرحى جراء قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على شمالي قطاع غزة    "وزير الكهرباء يهرب من عدن تاركاً المدينة في الظلام!"    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    هجوم إسرائيلي كبير على مصر    مباحثات يمنية - روسية لمناقشة المشاريع الروسية في اليمن وإعادة تشغيلها    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    أزمة الكهرباء تتفاقم.. دعوات للعليمي والحكومة بتقديم الاستقالة    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    رشاد كلفوت العليمي: أزمة أخلاق وكهرباء في عدن    قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    دموع ''صنعاء القديمة''    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    ماذا يحدث في عدن؟؟ اندلاع مظاهرات غاضبة وإغلاق شوارع ومداخل ومخارج المدينة.. وأعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة (صور)    صحيفة لندنية تكشف عن حيلة حوثية للسطو على أموال المودعين وتصيب البنوك اليمنية في مقتل .. والحوثيون يوافقون على نقل البنوك إلى عدن بشرط واحد    مارب.. الخدمة المدنية تدعو الراغبين في التوظيف للحضور إلى مكتبها .. وهذه الوثائق المطلوبة    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    صورة حزينة .. شاهد الناجية الوحيدة من بنات الغرباني تودع أخواتها الأربع اللواتي غرقن بأحد السدود في إب    شاهد.. الملاكمة السعودية "هتان السيف" تزور منافستها المصرية ندى فهيم وتهديها باقة ورد    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    باريس يسقط في وداعية مبابي    فساد قضائي حوثي يهدد تعز وصراع مسلح يلوح في الأفق!    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    لو كان معه رجال!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغنى رجل في بابل
اكتشف سر تحقيق الثروة الشخصية
نشر في الجمهورية يوم 25 - 11 - 2007


الحلقة السادسة
القوانين الخمسة التي تحكم التعامل مع المالإذا كان أمامكم حقيبة مثقلة بالذهب ولوح صلصالي منقوش عليه كلمات حكيمة، وكان لديكم حرية الاختيار بينهما؟ فماذا تختارون؟.
كان الضوء المتراقص الناشىء عن إحراق الأعشاب الصحراوية يومض على وجوه المستمعين السمر الذين كان يبدو عليهم الاهتمام.. فصاح الحاضرون، وكانوا سبعة وعشرين رجلاً، في آن واحد، قائلين: «الذهب، الذهب».
فابتسم «كالاباب» العجوز بدهاء.
ثم أشار بيده إلىهم وأردف قائلاً: «أنصتوا، أنصتوا إلى تلك الكلاب البرية التي تجوب في الليل.. إنها تعوي وتنبح من أثر الجوع، فماذا ستفعل بعد أن نطعمها؟ ستتشاجر وتختال، ثم تتشاجر وتختال أكثر بدون أن تشغل بالها بأنها ستأتي بالتأكيد في اليوم التالي لتطلب الطعام.
تماماً مثلما يحدث مع أبنائنا، إذا خيرناهم بين المال والحكمة، فماذا يفعلون؟ إنهم يتجاهلون الحكمة، ويبددون المال، ويأتون في اليوم التالي ينتحبون لأنه لم يعد لديهم المزيد منه.
فالذهب يبقى فقط لأولئك الذين يستوعبون القوانين التي تحكم الحصول علىه ويلتزمون بها.
جذب «كالاباب» ثوبه الأبيض حول قدميه الهزيلتين نظراً لرياح الليل الباردة التي كانت تهب عليهم.
ثم أردف قائلاً: ونتيجة لأنكم قد قمتم على خدمتي بإخلاص طوال رحلتنا الطويلة، ونظراً لأنكم قد أوليتم عناية كبيرة بالإبل الخاصة بي، ولأنكم قد عملتم بجد واجتهاد وبلا تذمر فوق رمال الصحراء الملتهبة، ونتيجة أىضا لأنكم قد حاربتم ببسالة اللصوص الذين حاولوا سلب تجارتي، فإنني سأخبرك هذه الليلة بحكاية القوانين الخمسة التي تحكم الحصول على المال والتعامل معه، وهي حكاية لم تسمعوها أبداً من قبل.
فأنصتوا باهتمام عميق إلى تلك الكلمات التي سأقولها، فإذا استوعبتم وفهمتم المعاني التي تتضمنها هذه الكلمات، وانتبهتم إليها جيداً، فسيكون بحوزتكم كثير من المال في الأيام القادمة.
ثم توقف بطريقة مؤثرة، كانت النجوم تلمع في سماء بابل الصافية، وخلف المجموعة التي أمامه كانت تظهر الخيمات المتواضعة المشدودة بإحكام حتى تصمد أمام العواصف الصحراوية، وبجوار هذه الخيمات كانت ترقد كميات ضخمة من بضائع متراكمة ومرتبة مغطاة بالجلود، وفي الجوار كان هناك قطيع الإبل المتمدد على الرمال، بعضها يجتر بنفس راضية، والبعض الآخر يغط بأصوات نافرة أجشة.
ثم تحدث رئيس الحمالين قائلاً: لقد أخبرتنا من قبل بالعديد من الحكايات الرائعة يا «كالاباب»، ولكننا نود أن تعلمنا حكمتك التي سترشدنا في المستقبل عندما تنتهي خدمتنا معك.
لقد أخبرتكم من قبل بمغامراتي في البلاد الغريبة والبعيدة، ولكني في هذه الليلة سأعلمكم حكمة أركاد، الرجل الغني الحكيم.
فقام رئيس الحمّالين قائلاً: لقد سمعنا عنه كثيراً، حيث إنه كان أغنى رجل عاش في بابل في كل العصور.
لقد كان أغنى الرجال نظراً لحكمته في أساليب الحصول على المال والتعامل معه، حتى إنه لم يكن هناك أي إنسان قد سبقه في ذلك، وفي هذه الليلة، سأقص عليكم حكمته الرائعة تماماً، مثلما حكيت لي من قبل ابنه «نوماسير»، منذ سنين كثيرة مضت في «نينيفية»، عندما كنت غلاماً صغيراً.
مكثت أنا ومعلمي طوال الليل في قصر نوماسير، إذ كنت أساعده في احضار حزم من السجاد الممتاز، وكان «نوماسير» يختبر كل واحدة على حده، حتى أرضينا ذوقه في اختيار الألوان، وقد كان سعيداً جداً بعد انتهاء الأمر، حتى إنه طلب منا أن نجلس معه لنحتسي بعض أنواع الشراب النادرة، ذات الرائحة التي لم تتعود عليها أنفي، والتي سببت ألماً في معدتي.
ثم روى لنا بعد ذلك هذه الحكاية عن حكمة أبيه الرائعة، والتي سأقصها عليكم تماماً مثلما فعل هو.
فكما تعرفون أنه في بابل عُرف يقضي بأن يعيش أولاد الأغنياء مع آبائهم على أمل أن يرثوا ممتلكاتهم، ولكن أركاد لم يكن يوافق على هذا العرف، لذا فعندما بلغ نوماسير مبلغ الرجال، بعث إليه وحدثه قائلاً:
إنني أتمنى يا بني أن تخلفني في اقتناء ممتلكاتي هذه، ولكن يجب عليك أولاً أن تبرهن لي على أنك تملك المقدرة على التعامل معها بطريقة حكيمة، لذا فإني أرغب في أن تسافر في أرجاء البلاد الأخرى في هذا العالم، وتبرهن على قدرتك علي كسب المال ،وعلى أن تصنع لنفسك منزلة محترمة بين الرجال.
ولكي تبدأ بطريقة جيدة، فسأعطيك شيئين كنت قد حُرمِت منهما عندما كنت شاباً فقيراً لا زال يحاول أن يبني ثروته.
أولاً: سأعطيك هذه الحقيبة المليئة بالعملات الذهبية، فإذا استخدمتها بحكمة، فسيكون هذا الذهب هو العنصر الأساسي لنجاحك المستقبلي.
وثانياً: سأعطيك هذا اللوح الصلصالي المنقوش عليه القوانين الخمسة التي تحكم الحصول على المال والتعامل معه، فإذا قمت بتطبيقها في أعمالك، فستوفر لك دخلاً كافياً وأماناً مالياً.
وبعد عشرة أعوام من اليوم، عد إلى منزل أبيك لتخبرني بما فعلت، وإذا ثبت أنك تستحق، فسأجعلك وريثاً لكل ممتلكاتي، وإلا أعطيتها للفقراء.
وبناءً عليه، سافر نوماسير بعيداً كي يحصل على فرصة، ومعه حقيبة العملات الذهبية، واللوح الصلصالي الملفوف بعناية بقماش حريري، وخادمه، والخيل التي يمتطيانها.
ومرت السنوات العشر، وكما اتفقا عليه، عاد نوماسير إلى منزل والده الذي أعد مأدبةً كبيرة على شرفه، ودعا إليها العديد من الأصدقاء والأقارب، وبعد أن انتهوا من تناول الطعام، جلس أبوه وأمه على مقعدين عاليين في أحد جوانب القاعة الكبيرة، وجلس نوماسير أمامهما كي يخبرهما بما فعله، التزاماً بوعده لوالده.
كان ذلك في المساء، وكانت الحجرة مضببة بالدخان الناتج عن فتائل المصابيح الزيتية التي كانت تضيء الحجرة بضوء باهت، وكان الخدم الذين يرتدون سترات بيضاء يروّحون الهواء الرطب بانتظام بواسطة سعف النخيل، وكان الوقار الجليل يغلف ذلك المشهد.
وجلست زوجة نوماسير هي وولداه الصغيران مع الأصدقاء وباقي أفراد العائلة على السجاد خلف نوماسير، والكل شغوف للاستماع.
بدأ نوماسير كلامه باحترام قائلاً: لقد أذعنت لحكمتك يا أبي عندما أمرتني منذ عشر سنوات، حيث كنت حينذاك لا أزال في مقتبل العمر، أن أسافر لكي أصبح رجلاً بين الرجال بدلاً من أن أبقى خانعاً في انتظار ثروتك.
وقد أعطيتني وفرة من الذهب، كما أعطيتني أيضاً وفرة من حكمتك، وفيما يتعلق بالذهب، فللأسف لابد أن أعترف بأني أسأت التعامل معه، لقد فرّ حقيقة من بين يدي قليلة الخبرة تماماً مثلما يفر الأرنب البري مع أول فرصة تتاح له للفرار ممن أمسك به.
فابتسم الأب ابتسامة حانية قائلاً: استمر يا بني، فأنا مشتاق لسماع حكايتك بكل تفاصيلها.
لقد عزمت على الذهاب إلى «نينيفيه» لأنها كانت مدينة نامية، معتقداً أني قد أجد هناك الفرص المناسبة لي، فانضممت إلى قافلة كانت مسافرة إليها، وكونت صداقات عديدة مع أفراد من هذه القافلة، وكان من بين هؤلاء رجلان لبقان يملكان فرساً أبيض بدا جميلاً.
وبينما نحن سائرون، أخبراني بأن هذا الفرس هو من الخيول الأصيلة التي يندر وجودها في نينيفيه، والتي يكثر عليها الطلب هناك، وتباع بأثمان غالية، كما أخبراني أنهما كانا يخططان لبيعه عندما يصلان إلى هناك.
ثم بعد ذلك أخبراني أنهما مستعدان لبيعه لي بمبلغ معقول، نظراً لأنهما عندما يصلان إلى هناك سينشغلان ببعض الأعمال الأخرى المتعلقة بتجارتهما، على أساس أن أقوم أنا ببيعه لحسابي وأحقق أرباحاً كبيرة، فتحمست جداً للفكرة ووافقت وأعطيتهم المبلغ الذي طلباه.
ولكن ما حدث هو أنني اكتشفت عندما وصلنا أن الفرس كان فرساً عادياً، ولذلك فقدت الكثير من مالي، فضحك الأب، ثم اكتشفت لاحقاً أن هذه كانت خطة خداعية قام بها هذان الرجلان، وأنهما كانا يسافران باستمرار مع القوافل بحثاً عن الضحايا، وأنني كنت من ضحاياهما، وقد علمتني تجربة الخداع العنيفة تلك أول دروسي في الانتباه لنفسي.
وسرعان ما تعلمت درساً آخر وبنفس المرارة، ففي القافلة كان هناك شاب آخر كنت قد أصبحت ودوداً جداً معه، فقد كان مثلي تماماً، ابناً لأبوين ثريين يرحل إلى نينيفيه كي يجد مكانة مناسبة، ولم تمر مدة طويلة بعد وصلنا حتى أخبرني بأن هناك تاجراً كان قد مات، ومن الممكن شراء متجره بسعر تافه، وبكل ما فيه من بضائع نفيسة وزبائن دائمين، وقال لي بأننا سنكون شركاً بالنصف، ولكنه مضطر أولاً إلى أن يعود إلى بابل كي يحصل على المال اللازم لذلك، وأقنعني بعد إلحاح بأن أشتري ذلك المتجر بمالي الشخصي، واتفقنا على أن نستخدم المال الذي سيأتي به لاحقاً في إدارة هذا المشروع التجاري.
ولكنه أخذ يؤجل رحلته إلى بابل لفترة طويلة، واتضح لي في غضون ذلك أنه شخص طائش ومنفق غبي، وفي النهاية، أنهيت الشراكة التي بيننا، ولكن بعد أن فسد المشروع ولم يعد لدينا سوى بعض البضائع غير الرائجة، كما لم يعد هناك مال لشراء بضائع أخرى، مما اضطرني إلى أن أبيع بثمن بخس ماتبقى من بضائع إلى أحد التجار.
ثم كانت الأيام التي تلت ذلك أيام مريرة، فقد بحثت عن عمل فلم أجد، ولذا فقد ظللت بلا تجارة أو عمل يمكنني أن أكسب من خلاله، فاضطررت إلى أن أبيع خيلي، كما بعت ملابسي النفيسة حتى أحصل على طعام ومكان أنام فيه، ولكن حالتي كانت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
ولكن في تلك الأيام المريرة، تذكرت ثقتك التي وضعتها فيّ، لقد ارسلتني بعيداً كي أصبح رجلاً، وهذا ما صممت على تحقيقه، وهنا كانت أمه تخفي وجهها بين يديها، وهي تبكي بصوت واهن.
وهنا، تذكرت اللوح الصلصالي الذي أعطيته لي والذي نقشت عليه القوانين الخمسة للمال، وعليه فقد قرأت باهتمام شديد كلمات الحكمة تلك التي نقشتها، وأدركت أنني إذا كنت قد استعنت بالحكمة أولاً لما فقدت كل مالي، لذا فقد حفظت كل القوانين عن ظهر قلب، وعزمت على أنه إذا صادفني الحظ السعيد مرة أخرى، فسأحتكم إلى حكمة الشيوخ، وليس إلى التجربة القليلة التي يمتلكها الشباب.
ولكي أفيدكم يا من تجلسون هنا في هذه الليلة، فإنني سأقرأ عليكم حكمة أبي كما نقشها على اللوح الصلصالي الذي أعطاه لي منذ عشر سنوات:
القوانين الخمسة للمال
1 - يأتي المال بسهولة وبكميات متزايدة لأي إنسان يقوم بإدخار ما لايقل عن عُشر إيراداته كي ينشئ ممتلكات من أجل مستقبله ومستقبل عائلته.
2 - يعمل المال بكد ورضا من أجل صاحبه الحكيم الذي يجد وسيلة جيدة لإنمائه مما يجعله يتضاعف.
3 يبقى المال في حماية صاحبه الحريص الذي يستثمره في إطار النصح الذي يقدمه له الرجال البارعون في التعامل مع المال.
4 - سريعاً ما يفر المال من بين يدي الإنسان الذي يستثمره في أعمال وأغراض لا يألفها أو لا يوافق عليها من هم بارعون في الحفاظ عليه.
5 - يفر المال من الإنسان الذي يجبره على جني إيرادات غير ممكنة أو يتبع النصائح المغرية التي يقدمها له المحتالون والمخادعون أو يعتمد في استثماره على خبرته المعدومة ورغباته العاطفية.
هذه هي القوانين الخمسة التي يجب اتباعها في التعامل مع المال، كما كتبها والدي، وأنا أعتبرها ذات قيمة أعظم من الذهب نفسه، وسيظهر ذلك لاحقاً من خلال عرضي لبقية حكايتي.
ثم أدار وجهه نحو والده مرة أخرى قائلاً: لقد أخبرتك عن الفقر واليأس اللذين عانيت منهما بسبب انعدام خبرتي.
ولكن، فإن كل سلسلة متتابعة من المصائب لابد لها من نهاية، وأتت النهاية بالنسبة لي عندما حصلت على عمل كمشرف على مجموعة من العمال الذين يعملون في بناء الأسوار الخارجية الجديدة للمدينة.
وطبقاً لما استفدته من خلال إدراكي للقانون الأول، فقد ادخرت عملة نحاسية من أولى إيراداتي وكنت أضيف إليها مع كل فرصة تتاح لي لذلك، حتى حصلت على عملة فضية، وكانت هذه عملية بطيئة بالنسبة لإنسان لابد وأن يعيش وينفق، وأنا أعترف بأني كنت أبخل على نفسي في نفقاتي، لأني كنت مصراً على أن أدخر مرة أخرى، وقبل انتهاء العشر السنوات، ذهباً يوازي ما أعطيتني إياه يا أبي.
وفي يوم ما أتى لي صاحب هذا العمل والذي كنت قد أصبحت ودوداً معه تماماً وقال لي: يا لك من شاب مقتصد لا ينفق باسراف ما يكسبه، فهل ادخرت مالاً مما تكسبه؟
فأجبته قائلاً: نعم. إذ إن أمنيتي الكبيرة هي أن أجمع ذهباً كي أضعه مكان الذهب الذي أعطاني إياه والدي وخسرته.
هذا طموح مهم أوافقك عليه، إذن فهل تعلم بأن هذا المال ادخرته من الممكن أن يعمل لصالحك ويجعلك تجني المزيد منه؟
نعم، أعرف، ولكن للأسف إن تجربتي مريرة في هذا الشأن، إذ فقدت فيها كل المال الذي كان والدي أعطاني إياه، ومن ثم فإني أخشى أن يحدث لمالي الذي ادخرته الآن مثلما حدث سابقاً.
فرد علي قائلاً: إذا وثقت بيّ، فسأعطيك درساً في كيفية التعامل المربح مع المال، ففي غضون هذا العام سيتم الانتهاء من تشييد هذه الأسوار الخارجية، وستكون معدة لوضع البوابات البرونزية الضخمة عند كل مدخل من مداخل المدينة لتحميها من أعداء الملك، ولا يتوفر في نينيفيه كلها معدن كافٍ لصنع هذه البوابات، كما أن الملك لم يفكر في توفير هذا المعدن، وهنا تكمن خطتي: سيقوم مجموعة منا بجمع المال اللازم ويرسلون قافلة إلى مناجم النحاس والقصدير البعيدة ويحضرون إلى نينيفيه المعدن الكافي لصنع تلك البوابات، وعندما يأمر الملك بصناعة تلك البوابات الضخمة، فنحن فقط من سيكون بإمكانهم إمداده بالمعدن، وسيدفع ساعتها سعراً عالياً لذلك، وإذا لم يشترِ منا الملك، فلا زال معنا المعدن وسنستطيع بيعه بسعر جيد.
وجدت في عرضه هذا فرصة للالتزام بالقانون الثالث، ومن ثم سأستثمر مدخراتي تحت إشراف وتوجيه من رجال حكماء، ولم تخب آمالي، إذ قد نجحت خطتنا وزادت مدخراتي الضئيلة بطريقة كبيرة جداً إثر هذه الصفقة.
وفي وقت لاحق، أصبحت شريكاً لمجموعة من الأشخاص الذين يقومون بمشروعات مربحة، كانوا حكماء بالفعل في التعامل المربح مع المال، إذ إنهم وقبل أن يدخلوا لا يسمحون بأي احتمال لخسارة رأس مالهم أو لتوظيفه في استثمارات غير مربحة لا يمكنهم من خلالها أن يستردوا أموالهم، وأن يحققوا ربحاً كبيراً، وكانوا سريعاً ما ينتبهون إلى نقاط ضعفهم.
وقد تعلمت أثناء مرافقتي لهؤلاء الرجال أن استثمار أموالي بطريقة آمنة يجعلني أحصل على عوائد مربحة، وبمرور الوقت كانت ثروتي تزداد بسرعة أكبر وأكبر، ولم أسترجع ما خسرته فقط من قبل ولكني جنيت الكثير والكثير.
وفي أثناء ما مررت به من محن وما حققته من نجاحات، كنت يا أبي أختبر مراراً وتكراراً مدى صحة تلك القوانين الخمسة التي تحكم التعامل مع المال، وكانت تبرهن على صحتها في كل مرة.
فالشخص الذي لايعرف تلك القوانين الخمسة، لا يأتيه المال كثيراً، وإذا أتى فإنه يذهب سريعاً، أما الإنسان الذي يلتزم باتباعها، فإن المال يأتي ويعمل في صالحه، مثل خادمه المطيع.
ثم توقف نوماسير عن الحديث، وأشار إلى خادم كان يقف في مؤخرة القاعة، فأحضر الخادم أمامهم ثلاث حقائب جلدية ثقيلة، الواحدة تلو الأخرى، ثم اجتذب نوماسير واحدة من تلك الحقائق ووضعها على أرضة القاعة أمام والده موجهاً كلامه إليه مرة أخرى قائلاً:
لقد أعطيتني حقيبة من ذهب بابل، وهأنذا أعيد إليك بدلاً منها حقيبة بنفس الوزن من ذهب نينيفيه، وأنا أرى أنها مقايضة عادلة، كما سيقر الجميع بذلك.
كما أنك كنت قد أعطيتني لوحاً صلصالياً منقوشة عليه كلمات من الحكمة، وبدلاً منه أعطيك الآن حقيبتين من الذهب، ثم تناول نوماسير من الخادم الحقيبتين الأخريين، ومثلما فعل في المرة الأولى، فقد وضعهما على أرضية القاعة أمام والده.
وقد فعلت هذا يا أبي لأثبت لك أني أرى أن قيمة الحكمة تفوق قيمة الذهب بكثير، بل إنها لا تقدر بمال، فبدون الحكمة يفقد المال من يملكه، ولكن بالحكمة يحصل علىه من لا يملكه، وهذا ما تبرهن تلك الحقائق الثلاث على صحته.
في الواقع يا أبي، إنه مما يبعث في نفسي الرضا العميق أن أقف أمامك وأقول ما أقول، لأن حكمتك هي التي جعلتني قادراً على أن أكون قادراً غنياً، وموقراً بي الرجال.
فوضع الأب يده بطريقة حانية على رأس ولده، ثم قال: لقد استوعبت الدرس جيداً يا بني، وأنا محظوظ حقاً أن يكون لدي ابن أستطيع أن أعهد إليه بثروتي.
وهنا توقف «كالاباب» عن سرد قصته، ثم نظر إلى مستمعيه نظرة متسائلة.
ثم أردف قائلاً: ماذا تمثل حكاية نوماسير هذه بالنسبة لكم؟
من منكم يستطيع أن يذهب إلى والده أو إلى والد زوجته ويعطيه وصفاً لطريقة التعامل الحكيم مع إيراداته؟
ألا زلتم تعتقدون بأن من الحظ أن يمتلك بعض الرجال ذهباً كثيراً وألا يمتلك البعض الآخر شيئاً؟ فيا لكم من مخطئين حينئذ.
إن الرجال يمتلكون الكثير من المال فقط إذا تعلموا القوانين الخمسة والتزموا بما فيها.
ونظراً لأني كنت قد تعلمت في شبابي هذه القوانين الخمسة التزمت بها، فقد أصبحت الآن تاجراً ثرياً، ولم أجمع ثروتي بطرق سحرية غريبة.
فالثروة التي تأتي سريعاً تذهب بنفس الطريقة.
أما الثروة التي تأتي شيئاً فشيئاً، تستمر في توفير الحياة والرضا لمقتنيها، وذلك لأنها ثمرة نشأت على المعرفة والمثابرة لتحقيق الهدف.
إن جمع الثروة هو مجرد عبء خفيف بالنسبة لرجل عميق التفكير، وتحمل هذا العبء بثبات عام بعد عام، سيمكنكم من تحقيق هدفكم النهائي.
إن القوانين الخمسة تلك هي بمثابة مكافأة ضخمة، فقط لمن يلتزمون بها.
فكل قانون من هذه القوانين الخمسة يزخر بالمعاني، وخشية من أن تغفلوا عنها في حكايتي هذه، فإني سأعيد عليكم هذه القوانين، فأنا أحفظ كل واحد منها عن ظهر قلب، وذلك لأني كنت قد فهمت قيمتها في شبابي، ولم أشعر بالرضا حتى فهمتها كلمة بكلمة.
القانون الأول
يأتي المال بسهولة وبكميات متزايدة لأي إنسان يقوم بإدخار ما لايقل عن عُشر إيراداته كي ينشئ ممتلكات من أجل مستقبله ومستقبل عائلته.
أي رجل سيدخر عُشر إيراداته بطريقة منتظمة ويستثمر هذه المدخرات بحكمة سينشىء بالتأكيد ممتلكات ذات قيمة ستعمل على توفير دخل له في المستقبل، بالإضافة إلى توفير ضمان آمن لعائلته في حالة وفاته، إن هذا القانون يؤكد دائماً أن المال يأتي بوفرة لمثل هذا الرجل، وأنا أستطيع أن أشهد بصحة ذلك من خلال حياتي الشخصية، فكلما جمعت مالاً أكثر، حصلت على المزيد منه بسهولة أكثر، وبكميات كبيرة، والمال الذي أدخره، يجني مالاً أكثر، تماماً مثلما سيحدث معكم إذا فعلتم ذلك، كما أن إيراداته ستجني مالاً أكثر، وهذا ما سيحققه القانون الأول.
القانون الثاني
يعمل المال بكد ورضا من أجل صاحبه الحكيم الذي يجد وسيلة جيدة لإنمائه ، مما يجعله يتضاعف.،
إن المال في واقع الأمر مثل العامل الراغب في العمل، هو متلهف دائماً للتضاعف عندما تسنح له الفرصة بذلك، وبالنسبة لكل إنسان يمتلك مقداراً وافراً من المال المدخر، فستأتيه الفرصة كي يستخدمه في أكثر الاستثمارات أرباحاً، وبمرور السنين، فإن هذا المال سيتضاعف بطريقة مذهلة.
القانون الثالث
يبقى المال في حماية صاحبه الحريص الذي يستثمره في إطار النصح الذي يقدمه له الرجال البارعون في التعامل مع المال.
يبقى المال في واقع الأمر بالقرب من صاحبه الحريص، وفي نفس الوقت يفر من صاحبه المهمل، فالإنسان الذي يطلب نصيحة الرجال الأذكياء في التعامل مع المال، سريعاً ما سيتعلم، ليس فقط كيفية عدم تعريض ثروته للخطر، ولكن أيضاً كيفية الحفاظ علىها بأمان، وكيفية الاستمتاع بطريقة مرضية بزيادتها المطردة.
القانون الرابع
سريعاً ما يفر المال من بين يدي الإنسان الذي يستثمره في أعمال وأغراض لا يألفها أو لا يوافق عليها من هم بارعون في الحفاظ عليه.
بالنسبة لمن يملك المال ولكن ليست لديه المهارة في التعامل معه، فإن العديد من الاستخدامات سوف تبدو مريحة أمامه، ولكن في أحيان كثيرة تكون هذه الاستخدامات محفوفة بمخاطر الخسارة، وإذا تم تحليلها كما ينبغي من قبل رجال حكماء، فإنها ستظهر احتمالاً ضئيلاً للربح، لذا فإن قليل الخبرة الذي يملك المال ويعتمد على رأيه الشخصي فقط ويستثمر أمواله في أعمال تجارية أو أغراض ليست مألوفة بالنسبة له، فإنه قد يجد في أحيان كثيرة مدى خطأ رأيه هذا، ويدفع ثروته ثمناً لقلة خبرته، أما الإنسان الحكيم بحق فهو من يستثمر أمواله في إطار النصح الذي يقدمه له الرجال البارعون في أساليب التعامل مع المال.
القانون الخامس
يفر المال من الإنسان الذي يجبره على جني إيرادات غير ممكنة أو يتبع النصائح المغرية التي يقدمها له المحتالون والمخادعون أو يعتمد في استثماره على خبرته المعدومة ورغباته العاطفية.
دائماً ما تأتي المقترحات الوهمية، والتي تثير المرء مثلما تفعل روايات المغامرات والإثارة إلى من هو حديث العهد بامتلاك المال، وتظهر مثل هذه المقترحات لكي تمد ثروته بقوى سحرية تمكنه من كسب إيرادات خرافية، وهو بذلك لا يلتفت أبداً إلى الرجال الحكماء الذين بلا شك يعرفون المخاطر التي تتوارى خلف كل مشروع يهدف إلى كسب ثروة كبيرة مفاجئة.
ولا تنسوا رجال نينيفيه الأغنياء والذين كانوا لا يسمحون بأي احتمال لخسارة رأسمالهم أو لتوظيفه في استثمارات غير مربحة.
وبهذا أنهي حكايتي عن القوانين الخمسة التي تحكم التعامل مع المال وبذلك أكون قد أطلعتكم على أسرار نجاحي الشخصي.
وهي ليست أسراراً بقدر ما هي حقائق يجب أولاً أن يتعلمها كل إنسان ثم يتبعها بعد ذلك، هذا إذا كان يريد أن يبتعد عن حياة الدهماء، التي تشبه حياة تلك الكلاب البرية، حيث لابد أن يكافحوا في كل يوم من أجل الحصول على طعام يأكلونه.
فغداً سندخل بابل، فانظروا!! انظروا إلى النار المتوهجة فوق أسوار المدنية! إننا بالفعل على مرآى من المدينة الذهبية، وغداً سيحصل كل واحد منكم على المال، ذلك المال الذي كسبتموه بطريقة جيدة عن طريق خدماتكم المخلصة.
وبعد عشر سنوات من هذه الليلة، ما الذي يمكنكم أن تقصوه بشأن هذا المال؟
إذا كان بينكم من سيفعل مثلما فعل نوماسير، ويستخدم جزءاً من ماله ليبدأ به في عمل ممتلكات خاصة به مسترشداً من الآن فصاعداً بحكمة أركاد، فبعد عشر سنوات من الآن، سيكون غنياً وذا شأن عظيم بين الرجال.
إن تصرفاتنا الحكيمة ستلازمنا طوال حياتنا كي تسعدنا وتساعدنا، وبنفس الطريقة، فإن تصرفاتنا الطائشة ستلاحقنا لتنزل علينا البلاء والعذاب، وللأسف فهي أشياء لا يمكن نسيانها، وفي مقدمة أنواع العذاب التي تلاحقنا ذكريات الأشياء التي كان لابد أن نكون قد فعلناها، والفرص التي سنحت لنا ولم نستغلها.
إن الكنوز التي تمتلكها بابل هي كنوز وافرة جداً لدرجة أنه ما من أحد يمكنه أن يحدد قيمتها بقطع ذهبية، وهذه الكنوز تنمو في كل عام لتصبح أكثر وفرة وأكبر قيمة، ومثل الكنوز المتوفرة في كل بلد آخر، تعتبر هذه الكنوز مكافأة، مكافأة عظيمة القيمة، تنتظر من لديهم هدف يصرّون من خلاله على الحصول على نصيبهم العادل من هذا الكنز.
إن هناك قوة سحرية كامنة في قوة رغباتك الشخصية، فقم بتوجيه هذه القوة بمعرفتك بالقوانين الخمسة للمال، وبعد هذا ستحصل على نصيبك من كنوز بابل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.